رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، وترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما. ولأنهما نسكان يتعقبهما الحل، فكان حاصلاً بهما. وعن أحمد إذا رمى الجمرة فقد حل، ولم يذكر الحلق، وهذا يدل على أن الحل بدون الحلق، وهذا قول عطاء، ومالك، وأبى ثور، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة: إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، وكذلك قال ابن عباس. قال بعض أصحابنا: هذا مبني على الخلاف في الحلق هل هو نسك أو لا؟ فإن قلنا: نسك حصل الحل به وإلا فلا. وفي الروض المربع: يحصل التحلل الأول باثنين من حلق، ورمي، وطواف، والتحلل الثاني بما بقى مع سعي - انتهى. وبه جزم النووي في مناسكه فقال: أي اثنين منها أتى بهما حصل التحلل الأول، ويحصل التحلل الثاني بالعمل الباقي من الثلاثة. هذا على المذهب الصحيح المختار أن الحلق نسك وقال الولي العراقي في طرح التثريب (ج٥: ص٨٠) : قال جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة: للحج تحللان، ثم اختلفوا في أمرين (أحدهما) فيما يحصل به التحلل الأول، فقال الشافعية: إن قلنا إن الحلق نسك وهو الصحيح المشهور حصل التحلل الأول بفعل أمرين من ثلاثة أمور: وهي رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم، فإذا فعل اثنين منها أي اثنين كانا حصل التحلل الأول. وإن قلنا إن الحلق ليس نسكًا حصل التحلل الأول بواحد من الرمي والطواف، فأيهما فعله أولاً حل التحلل الأول، وعند أصحابنا يجوز تقديم بعض هذه الأمور على بعض، وترتيبها بتقديم الرمي ثم الحلق ثم الطواف مستحب فقط. قالوا: ولو لم يرم جمرة العقبة حتى خرجت أيام التشريق فات الرمي ولزمه دم، ويصير كأنه رمى بالنسبة لحصول التحلل به. والأصح عند الرافعي، والنووي أنه يتوقف تحلله على الإتيان ببدله، ولكن نص الشافعي على خلافه وحكى الرافعي وجهًا شاذًا أنه يحصل التحلل الأول بالرمي وحده أو الطواف وحده، ولو قلنا الحلق نسك. وقال الحنابلة: يحصل التحلل الأول بالرمي والحلق، وقال المالكية للحج تحللان يحصل أحدهما برمي جمرة العقبة والآخر بطواف الإفاضة، ولو قدم طواف الإفاضة على جمرة العقبة قال مالك، وابن القاسم: يجزئه وعليه هدي. وعن مالك أيضاً لا يجزئه، وهو كمن لم يفض، وقال أصبغ: أحب إلى أن يعيد الإفاضة وهو في يوم النحر آكد وقال الحنفية: إن التحلل الأول بالحلق خاصة دون الرمي والطواف فليسا من أسباب التحلل، وفرقوا بأن التحلل هو الجناية في غير أوانها، وذلك مختص بالحلق. وأما ذبح الهدي فليس مما يتوقف عليه التحلل، إلا أن الحنفية والحنابلة قالوا: إن المتمتع إذا كان معه هدي لا يحل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر ... (الأمر الثاني) فيما يحل بالتحلل الأول - وهي المسألة الثالثة - وقد اتفق هؤلاء على أنه يحل به ما عدا الجماع ومقدماته، وعقد النكاح، والصيد والطيب، وأجمعوا على أنه لا يحل الجماع. واختلفوا في بقية هذه الأمور فقال الشافعية: يحل الصيد والطيب، واختلفوا في عقد لنكاح والمباشرة فيما دون الفرج.