أقول به ولا يعرف هذا الرجل يعنى الحارث بن بلال. قال: وقد روى فسخ الحج إلى العمرة أحد عشر صحابيًا، أين يقع الحارث بن بلال منهم؟ قالوا: وحديث أبي ذر عند مسلم موقوف عليه وليس بمرفوع، وإذا كان الأول في سنده مجهول والثاني موقوفًا فيما هو مسرح للاجتهاد تبين عدم صلاحيتهما للاحتجاج، والثانية من جهتي رد الحديثين المذكورين هي أنهما معارضان بأقوى منهما وهو حديث جابر الذي نحن في شرحه وأجاب الجمهور عن تضعيف الحديثين المذكورين بأن حديث بلال المذكور سكت عليه أبو داود، ومعلوم من عادته أنه لا يسكت إلا عن حديث صالح للاحتجاج ولم يثبت في الحارث بن بلال جرح. وقد قال الحافظ في التقريب فيه:((هو مقبول)) . قالوا: واعتضد حديثه بما رواه مسلم وأبو داود عن أبي ذر كما تقدم. وأما حديث أبي ذر فإن قلنا: إن الخصوصية التي ذكرها أبو ذر بذلك الركب مما لا مجال للرأي فيه فهو حديث صحيح له حكم الرفع، وقائله اطلع على زيادة علم خفيت على غيره، وإن قلنا: إنه مما للرأي فيه مجال وحكمنا بأنه موقوف على أبي ذر فصدق لهجة أبي ذر المعروف وتقاه وبعده من الكذب يدلنا على أنه ما جزم بالخصوصية المذكورة إلا وهو عارف صحة ذلك. قالوا: ورد حديث الحارث بن بلال بأنه مخالف لحديث جابر في سؤال سراقة المدلجى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجابته له بقوله:" بل للأبد ". لا يستقم، لأنه لا معارضة بين الحديثين لإمكان الجمع بينهما، والمقرر في علم الأصول وعلم الحديث أنه إذا أمكن الجمع بين الحديثين وجب الجمع بينهما إجماعًا ولا يرد غير الأقوى منهما بالأقوى لأنهما صادقان وليسا بمتعارضين، وإنما أجمع أهل العلم على وجوب الجمع بين الدليلين إن أمكن، لأن إعمال الدليلين معًا أولى من إلغاء أحدهما كما لا يخفى، ووجه الجمع بين الحديثين المذكورين أن حديثي بلال بن الحارث المزني وأبي ذر رضي الله عنهما محمولان على أن معنى الخصوصية المذكورة التحتم والوجوب فتحتم فسخ الحج في العمرة ووجوبه خاص بذلك الركب لأمره - صلى الله عليه وسلم - له بذلك، ولا ينافي ذلك بقاء جوازه ومشروعيته إلى أبد الأبد. وقوله في حديث جابر ((بل للأبد)) محمول على الجواز وبقاء المشروعية إلى الأبد فاتفق الحديثان، كذا حقق الشيخ الشنقيطي في ((أضواء البيان)) ثم قال: الذي يظهر لنا صوابه في حديث: ((بل للأبد)) . وحديث الخصوصية بذلك الركب المذكورين هو ما اختاره العلامة الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية، وهو الجمع المذكور بين الأحاديث بحمل الخصوصية المذكورة على الوجوب والتحتم وحمل التأييد المذكور على المشروعية والجواز أو السنة، ولا شك أن هذا هو مقتضى الصناعة الأصولية والمصطلحية كما لا يخفى. وقال أيضًا: والصواب هو ما ذكرنا من الجمع بين الأدلة، ووجهه ظاهر لا إشكال فيه. وقال النووي في شرح المهذب في الجواب عن قول الإمام أحمد:((أين يقع الحارث بن بلال من أحد عشر صحابيًا رووا الفسخ عنه - صلى الله عليه وسلم -)) ما نصه: قلت: لا معارضة بينهم وبينه حتى يقدموا عليه لأنهم أثبتوا الفسخ للصحابة ولم يذكروا حكم غيرهم، وقد وافقهم الحارث في إثبات الفسخ للصحابة، ولكنه زاد زيادة لا تخالفهم وهي اختصاص الفسخ بهم -