وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافًا واحدًا.
ــ
الذي أنكره أي من تكرار الطواف يوم النحر بعد الوقوف للمتمتع هو الحق كما أنكره، والصواب في إنكاره فإن أحدًا لم يقل إن الصحابة لما رجعوا من عرفة طافوا للقدوم وسعوا ثم طافوا للإفاضة بعده ولا النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا لم يقع قطعًا ولكن كان منشأ الإشكال أن أم المؤمنين فرقت بين المتمتع والقارن فأخبرت أن القارنين طافوا طوافًا واحدًا وأن الذين أهلوا بالعمرة طافوا طوافًا أخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وهذا غير طواف الزيارة قطعًا فإنه يشترك فيه القارن والمتمتع فلا فرق بينهما فيه، ولكن الشيخ أبو محمد لما رأى قولها في المتمتعين ((أنهم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى)) قال: ليس في هذا ما يدل على أنهم طافوا طوافين، والذي قاله حق ولكن لم يرفع الإشكال، فقالت طائفة: هذه الزيادة من كلام عروة أو ابنه هشام: أدرجت في الحديث وهذا لا يتبن، ولو كان فغايته أنه مرسل ولم يرتفع الإشكال عنه بالإرسال، فالصواب أن الطواف الذي أخبرت به عائشة وفرقت به بين المتمتع والقارن هو الطواف بين الصفا والمروة، لا الطواف بالبيت، وزال الإشكال جملة فأخبرت عن القارنين أنهم اكتفوا بطواف واحد بينهما لم يضيفوا إليه طوافًا آخر يوم النحر، وهذا هو الحق. وأخبرت عن المتمتعين أنهم طافوا بينهما طوافًا آخر بعد الرجوع من منى للحج، وذلك الأول كان للعمرة، وهذا هو قول الجمهور – انتهى. (وأما الذين جمعوا الحج والعمرة) أي ابتداء أو إدخالاً لأحدهما في الآخر. وفي رواية ((وأما الذين كانوا أهلوا بالحج (أي مفردًا) أو جمعوا الحج والعمرة)) (أي قارنوا)(فإنما طافوا طوافًا واحدًا) أي بعد الوقوف بعرفة يوم النحر للحج والعمرة جميعًا. قال الزرقاني: لأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد، لأن أفعال العمرة تندرج في أفعال الحج، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وقال الحنفية: لا بد للقارن من طوافيين وسعيين – انتهى. وقال العيني: في الحديث – يعني حديث عائشة - حجة لمن قال الطواف الواحد والسعي الواحد يكفيان للقارن وهو مذهب عطاء والحسن وطاوس، وبه قال مالك وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور وداود إلى آخر ما قال. قلت: هكذا صرح غير واحد من شراح الحديث من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم بأن الحديث حجة للأئمة الثلاثة في وحدة الطواف للقارن خلافًا للحنفية القائلين بالطوافين له، قيل: والحديث بظاهره مشكل على الجميع لأنه يدل على اكتفائهم بطواف واحد، وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أنهم طافوا ثلاثة أطوفة: الأول طواف القدوم، والثاني طواف الإفاضة، والثالث طواف الوداع، ولذلك اتفق الجميع على أن القارن يطوف ثلاثة أطوفة، طواف القدوم والركن والوداع، وزادت الحنفية على ذلك طواف العمرة فصارت أربعة. قال ابن قدامة: الأطوفة المشروعة في الحج ثلاثة: طواف الزيارة، وهو ركن الحج، لا يتم إلا به بغير خلاف، وطواف