يظهر لي والله أعلم أن مراد ابن عمر في قوله " ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول " هو الطواف بين الصفا والمروة، ويدل على ذلك أمران: الأول هو ما وقع في بعض روايات مسلم " ثم طاف لهما طوافًا واحدًا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم لم يحلل منهما حتى حل منهما بحجة "(قال النووي: معناه حتى حل منهما يوم النحر بعمل حجة مفردة) ومعلوم أن الحل بحجة لا يمكن بدون طواف الإفاضة، أما السعي في الحجة فيكفي فيه السعي الأول بعد طواف القدوم فيتعين أن الطواف الأول الذي رأى إجزاءه عن حجه وعمرته هو الطواف بين الصفا والمروة بدليل الرواية الصحيحة بأنه لم يحل منهما إلا بحجة يوم النحر وحجة يوم النحر أعظم أركانها طواف الإفاضة فبدونه لا تسمى حجة لأنه ركنها الأكبر المنصوص على الأمر به في كتاب الله في قوله تعالى {وليطوفوا بالبيت العتيق}(٢٢: ٢٩) الأمر الثاني هو أن ابن عمر قال: كذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه في الروايات الصحيحة أنه اكتفى بسعيه بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم لحجه وعمرته وأنه بعد إفاضته من عرفات طاف طواف الإفاضة يوم النحر على التحقيق فحديث ابن عمر هذا نص صحيح متفق عليه على أن القارن يعمل كعمل المفرد، وعلى هذا يحمل الطواف الواحد في حديث عائشة المتقدم فيفسر بأنه الطواف بين الصفا والمروة، لأن القارن لا يسعى لحجه وعمرته إلا مرة واحدة – انتهى كلام الشنقيطي. وأجاب بعض الحنفية عن رواية مسلم المذكورة في كلام الشنقيطي بأنه يحتمل أن هؤلاء الذين لم يطوفوا بين الصفا والمروة بعد طواف الإفاضة لأجل أنهم سعوا بينهما قبل الرواح إلى منى بأن يطوفوا بالبيت طواف النفل لأجل تقديم السعي جائز بعد أن يكون مسبوقًا بطواف كطواف القدوم أو طواف النفل فكان الغرض أنهم لم يعيدوا السعي مرة أخرى – انتهى. وفيه أنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه القارنين أنهم طافوا طواف النفل وسعوا بعده بين الصفا والمروة قبل الرواح إلى منى، فحمله على ذلك بعيد جدًا. قال الشيخ محمد أنور: لم يثبت طواف النفل منه عليه صلوات الله وسلامه إلى العاشر، نعم ثبت بعد العاشر في ليالي منى برواية قوية. وقال بعضهم إن المراد في حديث جابر المذكور أن السعي الواحد لنسك واحد كافي، أي لا يحتاج إلى سعي آخر، وفيه أنه يأبى هذا التأويل ألفاظ حديث جابر وحديث ابن عمر وعائشة كما لا يخفى ذلك على من أمعن النظر فيها، ومن الأحاديث الصحيحة التي استدل بها للجمهور ما وقع في حديث جابر عند مسلم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " دخلت العمرة في الحج " مرتين وتصريحه - صلى الله عليه وسلم - بدخولها فيه يدل على دخول أعمالها في أعماله حالة القران، قال الحافظ: دل هذا على أنها لا تحتاج أي عمرة بعد أن دخلت فيه إلى عمل آخر غير عمله. واستدل للجمهور أيضًا بما روى أحمد (ج ٢: ص ٦٧) والترمذي وابن ماجة وسعيد بن منصور من حديث ابن عمر، واللفظ لأحمد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من قرن بين حجته وعمرته أجزأه لهما طواف واحد ". ولفظ الترمذي " من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعًا " قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وأعله الطحاوي بأن عبد العزيز بن محمد