عبد البر في حجة لمالك في قوله " إن طواف القدوم إذا وصل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلاً أو نسيه حتى رجع إلى بلده وعليه الهدي، قال: ولا أعلم أحدًا قال به غيره وأصحابه، وتعقب بأنه إن حمل قوله " طوافه الأول " على طواف القدوم وأنه أجزأ عن طواف الإفاضة كان ذلك دالاً على الإجزاء مطلقًا ولو تعمده، لا بقيد الجهل والنسيان – انتهى. قلت: حمله على طواف القدوم والقول بسقوط طواف الإفاضة في تلك الصورة أو مطلقًا باطل بلا شك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بطوافه الذي طاف يوم دخل مكة بل طاف يوم النحر طواف الإفاضة الذي هو ركن الحج بإجماع المسلمين، وثبت ذلك ثبوتًا قطعيًا، وأما القول بأن ذلك الطواف الأول كان عن القدوم للحج وطواف العمرة جميعًا فادعاء محض ليس عليه أثارة من علم فلا يلتفت إليه، وقال السندي في حاشية البخاري بعد ذكر التأويل الذي نقلنا عنه ما لفظه: ولا يخفى أن بعض روايات حديث ابن عمر يبعد هذا التأويل ويقتضي أن الطواف الذي يجزئ عنهما هو الذي حين القدوم، ففي رواية للبخاري " ثم قدم فطاف لهما طوافًا واحدًا " وسيجيء في البخاري في باب من اشترى الهدي من الطريق بلفظ " ثم قدم فطاف لهما طوافًا واحدًا فلم يحل حتى حل منهما جميعًا " وسيجيء في باب الإحصار " وكان يقول أي ابن عمر: لا يحل حتى يطوف طوافًا واحدًا يوم يدخل مكة " وفي بعض روايات مسلم " فخرج حتى إذا جاء البيت طاف به سبعًا وبين الصفا والمروة سبعًا لم يزد عليه ورأى أنه مجزئ عنه وأهدى " وفي أخرى " ثم طاف لهما طوافًا واحدًا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم لم يحل منهما حتى حل منهما بحجة يوم النحر " وفي رواية أخرى " ثم انطلق يهل بهما جميعًا حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ولم يزد على ذلك ولم ينحر ولم يحلق حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول " والنظر في هذه الروايات يبعد ذلك التأويل، لكن القول بأنه ما كان يرى طواف الإفاضة مطلقًا أو للقارن أيضًا قول بعيد، بل قد ثبت عنه طواف الإفاضة في صحيح مسلم كما ذكرنا في القول السابق عنه، فإما أنه لا يرى طواف الإفاضة للقارن ركن الحج، بل يرى أن الركن في حقه هو الأول والإفاضة سنة أو نحوها وهذا لا يخلو عن بعد، أو أنه يرى دخول طواف العمرة في طواف القدوم للحج، ويرى أن طواف القدوم من سنن الحج للمفرد إلا أن القارن يجزئه ذلك عن سنة القدوم للحج وعن فرض العمرة وتكون الإفاضة عنده ركنًا للحج فقط، هذا غاية ما ظهر لي في التوفيق بين روايات حديث ابن عمر ولم أر أحدًا تعرض لذلك مع البسط وجمع الطرق إلا ما قيل إن المراد بالطواف السعي بين الصفا والمروة ولا يخفى بعده أيضًا فإن مطلق الطواف ينصرف إلى طواف البيت سيما وهو مقتضى الروايات فلينظر بعده، والله تعالى أعلم – انتهى. قلت: حمله على الطواف بين الصفا والمروة لا بعد فيه، بل هو الظاهر، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم " لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول " – انتهى. قال الشنقيطي: الذي