ابن علي والحسين بن علي ذكرها الزيلعي في نصب الراية (ج ٣: ص ١١١) وابن حزم في المحلى (ج ٧: ص ١٧٥، ١٧٦) مع الكلام عليها والبيهقي في المعرفة وفي السنن والحافظ في الدراية، وقد ذكرنا ما يعارض ذلك ويضعفه نقلاً عن الحافظ فتذكر، وإذا عرفت أن أحاديث السعيين والطوافين ليس فيها شيء قائم كما رأيت، فاعلم أن الذين قالوا بأن القارن يطوف طوافًا ويسعى سعيًا كفعل المفرد أجابوا عن تلك الأحاديث من وجهيين الأول: وهو ما بيناه الآن بواسطة نقل الزيلعي والحافظ ابن حجر وابن القيم عن الدارقطني وغيره من أوجه ضعفها. والثاني: أنا لو سلمنا أن بعضها يصلح للاجتهاد كما يقوله الحنفية وضعافها يقوي بعضها بعضًا فلا يقل مجموع طرقها عن درجة القبول كما أشار إليه الحافظ فهي معارضة بما هو أقوى منها وأصح وأرجح وأولى بالقبول من الأحاديث الثابتة في الصحيح الدالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل في قرانه إلا كما يفعل المفرد كحديث عائشة المتفق عليه وحديث ابن عمر عند البخاري، وكالحديث المتفق عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: يكفيك طوافك بالبيت وبالصفا والمروة لحجك وعمرتك. كذا حققه الشنقيطي، ثم قال: وقد اتضح من جميع ما كتبناه في هذه المسألة أن التحقيق فيها أن القارن يفعل كفعل المفرد لاندراج أعمال العمرة في أعمال الحج، وأن المتمتع يطوف ويسعى لعمرته ثم يطوف ويسعى لحجته، ومما يوضحه من جهة المعنى أنه يطوف ويسعى لحجه بعد رجوعه من منى، أنه يهل بالحج بالإجماع، والحج يدخل في معناه دخولاً مجزومًا به الطواف والسعي، فلو كان يكفيه طواف العمرة التي حل منها وسعيها لكان إهلاله بالحج إهلالاً بحج لا طواف فيه ولا سعي، وهذا ليس بحج في العرف ولا في الشرع – انتهى. تنبيه: استدل بعض الحنفية لتعدد السعي بأنه وقع في بعض الروايات ذكر سعيه ماشيًا كما تقدم في حديث جابر الطويل عند مسلم وأبي داود وهو قوله: حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة – الحديث. قالوا: هذا صريح في السعي راجلاً وماشيًا على الأقدام ووقع في بعض الروايات ذكر سعيه راكبًا كما وقع في حديث جابر أيضًا عند مسلم في باب جواز الطواف على البعير " طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراء الناس وليشرف ويسألوه، فإن الناس غشوه " قالوا: فيكون السعي اثنين، الأول ماشيًا راجلاً بعد الطواف الأول عند دخول مكة وهو للقدوم عند الشافعية ومن وافقهم، وللقدوم والعمرة عندنا الحنفية، والسعي الثاني راكبًا، وتاريخ هذا السعي الثاني وإن كان غير معلوم يعني أنه كان قبل يوم النحر أو بعده لكن الأقرب والأليق بمسائل الحنفية أن يكون يوم النحر بعد طواف الإفاضة حيث يكون السعي مسبوقًا بطواف. ولم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد طوافه للقدوم والعمرة على اختلاف المذهبين إلا هذا الطواف أي يوم النحر. وتأول ابن حزم قول جابر في قصة حجة الوداع " حتى إذا انصبت قدماه " أي وهو على راحلته، والنزول والصعود إنما هو نزول الناقة وصعودها. قال الحنفية: إن هذا التأويل غير مقبول، فإن ألفاظ الحديث وتبادرها يخالفه، وأيضًا من كان راكبًا لا يسعى بين الميلين الأخضرين بل يمشي، قالوا: ويرد هذا التأويل حديث بنت أبي تجراة (الآتي في باب دخول