مكة والطواف) وفيه " فرأيته وإن ميزره ليدور من شدة السعي " قالوا: وتأول ابن حزم الرواية التي تدل على سعيه راكبًا بأن بعض الأشواط من السعي كان راكبًا وبعضها كان ماشيًا. قالوا: يرد هذا التأويل ما رواه أبو داود في باب الطواف الواجب عن أبي الطفيل عن ابن عباس أنه طاف سبعًا على راحلته فصرح فيه أنه طاف بينهما سبعة أشواط راكبًا. والظاهر أنه في حجة الوادع، يدل على ذلك ما وقع في رواية مسلم في باب استحباب الرمل في الطواف عن أبي الطفيل، قال: قلت لابن عباس: أراني قد رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: فصفه لي. قال، قلت: رأيته عند المروة على ناقة، وقد كثر الناس عليه. قال، فقال ابن عباس: ذاك رسول الله عليه وسلم، إنهم كانوا لا يدعون عنه ولا يكهرون – انتهى. قالوا: وهذه الواقعة واقعة حجة الوداع، لأن كثرة الناس وسؤالهم لا يكون إلا في حجة الوادع. قالوا: فظهر من هذا كله أن تعدد السعي لازم وإن لم يصرح به أحد. قلت: التأويل الثاني الذي نسبوه إلى ابن حزم صحيح متعين عندي، وأما رواية أبي داود فأصلها في صحيح مسلم ولكن ليست فيه هذه اللفظة، ويؤيد التأويل المذكور ما وقع في رواية عند مسلم بإسناده عن أبي الطفيل، قال: قلت لابن عباس: أرأيت هذا الرمل بالبيت؟ – الحديث. وفيه " قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت. قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل – انتهى. فإن سياقه يدل على أن الركوب كان في أثناء السعي حين كثر الناس عليه فيه، وأما حديث بنت أبي تجراة فليس فيه تصريح أنه كان في حجته ولا أن سعيه ماشيًا كان في جميع الأشواط. قال المحب الطبري بعد ذكر الروايات التي تدل علي أنه - صلى الله عليه وسلم - سعى راكبًا ما لفظه: في هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على ركوبه - صلى الله عليه وسلم - في السعي، والأحاديث المتقدمة في الفصل قبله وحديث جابر الطويل يدل على مشيه، فيحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - مشى في طوافه على ما دل عليه بعض الأحاديث، ثم خرج إلى السعي ماشيًا فسعى بعضه ماشيًا ورأته بنت أبي تجراة إذ ذاك، ثم لما كثر عليه ركب ناقته، ويؤيد ذلك قول بن عباس: وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه ركب، والسعي والمشي أفضل. فإن سياقه دال على أن الركوب كان في أثناء السعي حين كثر الناس عليه فيه. وذهب ابن حزم في كتابه المشتمل على صفة الحج الكبرى إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان راكبًا في جميع طوافه بين الصفا والمروة عملاً بحديث جابر هذا، قال: وما رواه في حديثه الطويل من أنه - صلى الله عليه وسلم - لما انصبت قدماه في بطن الوادي رمل، ليس بمعارض لما ذكرناه، لأن الراكب إذا انصب به بعيره فقد انصب جميع بدنه وانصبت قدماه أيضًا مع سائر جسده، وكذلك الرمل، يعني به رمل الدابة براكبها، ولم يطف - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة في تلك الحجة إلا مرة واحدة، وذكر في الحديث أنه كان فيه راكبًا، قال: ولا يقطع بأن طوافه - صلى الله عليه وسلم - بالبيت الأول كان راكبًا لأنه - صلى الله عليه وسلم - طاف في تلك الحجة مرارًا، منها طوافه الأول، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، فالله أعلم أي تلك الأطواف كان راكبًا؟ قال الطبري: وظاهر حديث ابن عباس يرد هذا التأويل، وحديث بنت أبي تجراة