ولكن أحلهن لهم، فقلنا: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس، أمرنا أن نفضي إلى نسائنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني. قال: يقول جابر بيده، كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها. قال: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فينا، فقال:" قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فحلوا ". فحللنا وسمعنا وأطعنا.
ــ
بفتح الياء وكسر الزاي، أي لم يوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم وطئهن (ولكن أحلهن لهم) يعني لم يجعل الجماع عزيمة عليهم بل جعله رخصة لهم بخلاف الفسخ فإنه كان عزيمة فأمر " حلوا " للوجوب و " أصيبوا " للإباحة لأن من لازم الإحلال إباحة الجماع والوطئ قال الطيبي: أي قال عطاء في تفسير قول جابر " فأمرنا " ثم فسر هذا التفسير بأن الأمر لم يكن جزمًا (فقلنا) أي فيما بيننا يعني في جملة تذاكرنا فيما بيننا (لما لم يكن) أي حين لم يبق (بيننا وبين عرفة إلا خمس) أي من الليالي بحساب ليلة عرفة أو من الأيام بحساب يوم الأحد الذي لا كلام فيه (أمرنا) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن نفضي) من الإفضاء، أي نصل (إلى نسائنا) وهو كناية عن الجماع كقوله تعالى {وقد أفضى بعضكم إلى بعض}(٤:٢١)(فنأتي) بالرفع أي فنحن حينئذ نأتي. قال الطيبي: قوله " فنأتي " ليس من تمام أمر رسول الله عليه وسلم، بل هو عطف على مقدر أي فتنزهنا من ذلك فقلنا نأتي عرفة (تقطر مذاكيرنا المني) جمع ذكر على غير قياس. وقال الأخفش: هو من الجمع الذي ليس له واحد مثل العبابيد والأبابيل، والجملة حالية، وهو كناية عن قرب العهد بالجماع، وكان هذا عيبًا في الجاهلية حيث يعدونه نقصًا في الحج (قال) أي عطاء (يقول جابر) أي يشير بيده (كأني أنظر إلى قوله بيده) أي إشارته بها (يحركها) أي يده، قال الكرماني: هذه الإشارة لكيفية التقطر، ويحتمل أن تكون إلى محل التقطر – انتهى. وقيل: لعله أراد تشبيه تحريك المذاكير بتحريك اليد (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فينا) أي خطيبًا، وفي رواية " فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء بلغه من قبل الناس، فقام فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه "(فقال) زاد في رواية " بلغني أن أقوامًا يقولون كذا وكذا "(قد علمتم) أي اعتقدتم (أني أتقاكم لله) أي أدينكم وأخشاكم (وأصدقكم) أي قولا (وأبركم) أي عملاً، وقيل أي أطوعكم لله (ولولا هديي لحللت كما تحلون) وفي رواية " لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله "(ولو استقبلت من أمري ما استدبرت) ما موصولة محلها النصب على المفعولية (لم أسق الهدي) أي لو علمت في ابتداء شروعي ما علمت الآن من لحوق المشقة لأصحابي بانفرادهم بالفسخ حتى توقفوا وترددوا وراجعوا لما سقت الهدي حتى فسخت وحللت معهم، أراد به - صلى الله عليه وسلم - تطييب قلوبهم وتسكين نفوسهم في صورة المخالفة بفعله وهم يحبون متابعة وكما موافقته، ولما في نفوسهم من الكراهية في الاعتمار في أشهر الحج ومقاربة النساء قرب عرفة (فحلوا) بكسر الحاء أمر للتأكيد (فحللنا وسمعنا وأطعنا وفي رواية