قوله - صلى الله عليه وسلم -: " خذوا عني مناسككم " وباشتراط الوضوء للطواف قال الجمهور وخالف فيه بعض الكوفيين، ومن الحجة عليهم قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لما حاضت " غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ". وقال في شرح حديث عائشة هذا: هو ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد، وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته، وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور. وذهب جمع من الكوفيين إلى عدم الاشتراط. قال ابن أبي شيبة: حدثنا غندر حدثنا شعبة: سألت الحكم وحمادًا ومنصورًا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غيره طهارة فلم يروا به بأسًا، ورُوي عن عطاء إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدًا ثم حاضت أجزأ عنها، ففي هذا تعقب على النووي حيث قال في شرح المهذب: انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف: واختلف أصحابه في وجوبها وجبرانه بالدم إن فعله – انتهى. قال الحافظ:" ولم ينفردوا بذلك كما ترى فلعله أراد انفرادهم عن الأئمة الثلاثة "، لكن عند أحمد رواية أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم، وعند المالكية قول يوافق هذا – انتهى. قلت: والذي جزم به الدردير والدسوقي من المالكية هو اشتراط الطهارة حيث قال الدردير: للطواف مطلقًا ركنًا أو واجبًا أو مندوبًا شروط أولها كونه أشواطًا سبعًا، وثانيها كونه متلبسًا بالطهارتين أي طهارة الحدث والخبث – انتهى. وقال الباجي في شرح قول ابن عمر: المرأة الحائض تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت ولكن لا تطوف بالبيت، لأن الطواف بالبيت ينافيه ولذلك يفسده الحيض والنفاس ويمنع صحته وتمامه لأن من شرطه الطهارة – انتهى. وقال ابن قدامة: ويكون طاهرًا في ثياب طاهرة يعني في الطواف لأن الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد وهو قول مالك والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست بشرط فمتى طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة، فإن خرج إلى بلده جبره بدم، وكذلك يخرج في الطهارة من النجس والستارة، وعنه فيمن طاف للزيارة وهو ناس للطهارة لا شيء عليه – انتهى. وبسط الكلام في ذلك الولي العراقي في طرح الثريب (ج٥: ص ١٢٠، ١٢١) وكذا الساعاتي في شرح المسند (ج ١٢: ص ١٤) وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث عائشة الذي أشار إليه الحافظ: فيه دليل على أن الطواف لا يصح من الحائض، وهذا مجمع عليه، لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف، فقال مالك والشافعي وأحمد هي شرط، وقال أبو حنيفة: ليست بشرط، وبه قال داود، فمن شرط الطهارة قال: العلة في بطلان الطواف عدم الطهارة، ومن لم يشترطها قال: العلة فيه كونها ممنوعة من اللبث في المسجد – انتهى. قال الولي العراقي بعد ذكره: فيه نظر فإن أبا حنيفة يصحح الطواف كما هو معروف عنه، وكما حكاه هو عنه في شرح المهذب، ولا يلزم من ارتكاب المحرم في اللبث في المسجد بطلان الطواف – انتهى. وقال ابن الهمام في شرح الهداية: والحاصل أن حرمة الطواف من وجهين دخولها المسجد وترك واجب الطواف، فإن الطهارة واجبة في