مشهوران للشافعي أصحهما طواف يعقبه سعي ويتصور ذلك في طواف القدوم وفي طواف الإفاضة، ولا يتصور في طواف الوداع، والقول الثاني: أنه لا يشرع إلا في طواف القدوم، وسواء أراد السعي بعده أم لا، ويشرع في طواف العمرة إذ ليس فيها إلا طواف واحد، وفيها أيضًا دليل على أن السنة أن يرمل في الثلاثة الأول من أول طواف يطوفه القادم إلى مكة سواء كان عمرة أو طواف قدوم في حج ويمشي على عادته في الأشواط الأربعة الباقية ولا يرمل فيها وإن ترك الرمل في الأشواط الأول لم يقضه في الأشواط الأخيرة على الصواب ولا يلزم بتركه دم على الأظهر لعدم الدليل خلافًا لمن أوجب فيه الدم. قال الحافظ في الفتح: لا يشرع تدارك الرمل، فلو تركه في الثلاث لم يقضه في الأربع لأن هيأتها السكينة فلا تغير، ويختص بالرجال فلا رمل على النساء ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور، ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب ولا دم بتركه عند الجمهور، واختلف في ذلك المالكية. قال الشوكاني: وقد رُوي عن مالك أن عليه دمًا ولا دليل على ذلك. ثم قال: يؤيده أنهم اقتصروا عند مراآة المشركين على الإسراع إذا مروا من جهة الركنين الشاميين، لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية يعني ناحية الحجر، فإذا مروا بين الركنين اليمانيين مشوا على هيأتهم كما هو مبين في حديث ابن عباس (عند الشيخين) ولما رملوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة فكانت سنة مستقلة. وقال الطبري: قد ثبت أن الشارع سعى ولا مشرك يومئذ بمكة يعني في حجة الوداع فعلم أنه من مناسك الحج إلا أن تاركه ليس تاركًا لعمل بل لهيأة مخصوصة فكان كرفع الصوت بالتلبية فمن لبى خافضًا صوته لم يكن تاركًا للتلبية بل لصفتها ولا شيء عليه – انتهى. قال النووي: ولو لم يمكنه الرمل بقرب الكعبة وأمكنه إذا تباعد عنها فالأولى أن يتباعد ويرمل، لأن فضيلة الرمل هيأة للعبادة في نفسها والقرب من الكعبة هيأة في موضع العبادة لا في نفسها، فكان تقديم ما تعلق بنفسها أولى. تنبيه: إن قيل: ما الحكمة في الرمل بعد زوال علته التي شرع من أجلها، والغالب اطراد العلة وانعكاسها بحيث يدور معها المعلل بها وجودًا وعدمًا. فالجواب أن بقاء حكم الرمل مع زوال علته لا ينافي أن لبقائه علة أخرى، وهي أن يتذكر به المسلمون نعمة الله عليهم حيث كثرهم وقواهم بعد القلة والضعف كما قال الله تعالى:{واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره}(٨: ٢٦) الآية. وقال تعالى عن نبيه شعيب:{واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم}(٧: ٨٦) وصيغة الأمر في قوله ((اذكروا)) في الآيتين تدل على تحتم ذكر النعمة بذلك، وإذًا فلا مانع من كون الحكمة في بقاء حكم الرمل هي تذكر نعمة الله بالقوة بعد الضعف والكثرة بعد القلة، وقد أشار إلى هذا الحافظ في الفتح كما سيأتي. ومما يؤيده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل في حجة الوداع بعد زوال العلة المذكورة فلم يمكن بعد ذلك تركه لزوالها. قال الحافظ: إن عمر كان هم بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه وقد انقضى، فهم أن يتركه لفقد سببه، ثم رجع عن ذلك الاحتمال أن تكون له حكمة ما اطلع عليها فرأى أن الإتباع أولى من طريق المعنى. وأيضًا إن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب الباعث على ذلك فيتذكر نعمة الله على