في الفصل الثالث. قال ابن قدامة في المغنى (ج ٣: ص ٣٩٧) : لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر، فإن ابن عباس روى أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن. وعن أم سلمة قالت: شكوت – الحديث، متفق عليهما، وقال جابر: طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم ليسألوه، فإن الناس غشوه. والمحمول كالراكب فيما ذكرناه. قال: فأما الطواف راكبًا أو محمولاً لغير عذر فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ وهو إحدى الروايات عن أحمد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الطواف بالبيت صلاة. والثانية: يجزئه ويجبره بدم وهو قول مالك، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال: يعيد ما كان بمكة، فإن رجع جبره بدم، لأنه ترك صفة واجبة في ركن الحج. والثالثة: يجزئه ولا شيء عليه، اختارها أبو بكر، وهي مذهب الشافعي وابن المنذر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف راكبًا. قال ابن المنذر: لا قول لأحد مع فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقًا فكيفما أتى به أجزاه. ولا يجوز تقيد المطلق بغير دليل. ولا خلاف في أن الطواف راجلاً أفضل لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - طافوا مشيًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في غير حجة الوداع طاف مشيًا، وفي قول أم سلمة: شكوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي؟ فقال ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) دليل على أن الطواف إنما يكون مشيًا، وإنما طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - راكبًا لعذر، فإن ابن عباس روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثروا عليه ركب. رواه مسلم. وكذلك في حديث جابر ((فإن الناس غشوه)) ورُوي عن ابن عباس ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف راكبًا لشكاة به)) وبهذا يعتذر من منع الطواف راكبًا عن طواف النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحديث الأول (يعني حديث ابن عباس الأول) أثبت. قال: فعلى هذا يكون كثرة الناس وشدة الزحام عذرًا، ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد تعليم مناسكهم فلم يتمكن منه إلا بالركوب، والله أعلم – انتهى. وقال النووي في شرح المهذب: قال أصحابنا: الأفضل أن يطوف ماشيًا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه أو ما كان ممن يحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى بفعله، فإن طاف بلا عذر جاز بلا كراهية لكنه خالف الأولى، كذا قاله جمهور أصحابنا، وكذا نقله الرافعي عن الأصحاب. وقال إمام الحرمين: في القلب من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء، فإن أمكن الاستيثاق فذلك، وإلا فإدخالها المسجد مكروه، هذا كلام الرافعي. وجزم جماعة من أصحابنا بكراهة الطواف راكبًا من غير عذر، والمرأة والرجل في الركوب سواء فيما ذكرناه. قال الماوردي: وحكم طواف المحمول على أكتاف الرجال كالراكب فيما ذكرناه. قال: وإذا كان معذورًا فطوافه محمولاً أولى منه راكبًا صيانة للمسجد من الدابة، قال: وركوب الإبل أيسر حالاً من ركوب البغال والحمير (يستلم الركن