٢٥٩٣ - (٩) وعن ابن عباس، قال: طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على بعير،
ــ
سويد بن غفلة من التابعين، وقد أخرج البخاري ومسلم ((أن عبيد بن جريج قال لابن عمر: رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها)) فذكر منها ((ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين)) وفيه دليل على أن الذين رآهم عبيد ابن جريج من الصحابة والتابعين كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الركنين اليمانيين. وقال بعض أهل العلم: اختصاص الركنين مبين بالسنة ومسند التعميم القياس، كذا في النيل والفتح. وقال القاضي أبو الطيب: أجمع أئمة الأمصار والفقهاء على أن الركنين الشاميين لا يستلمان، قال: وإنما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف وأجمعوا على أنهما لا يستلمان. وفي رواية لابن عمر عند مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني. قال النووي: يحتج به الجمهور في أنه يقتصر بالاستلام في الحجر الأسود عليه دون الركن الذي هو فيه خلافًا للقاضي أبي الطيب من الشافعية (متفق عليه) وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي، وللترمذي معناه من رواية ابن عباس.
٢٥٩٣ – قوله (طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على بعير) كان هذا في طواف الإفاضة يوم النحر أو في طواف الوداع، وأما طوافه ماشيًا فكان في طواف القدوم كما يفيده حديث جابر الطويل. قال الشيخ الدهلوي: إنما طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكبًا لكثرة ازدحام الناس وسؤالهم عنه - صلى الله عليه وسلم - الأحكام، وكانت ناقته محفوظة من الروث والبول فيه. وأما الطواف راكبًا لغيره - صلى الله عليه وسلم - فجائز أيضًا، والأفضل المشي انتهى. وقال الحافظ: حمل البخاري سبب طوافه - صلى الله عليه وسلم - راكباً على أنه كان عن شكوى (حيث أدخل حديث ابن عباس في باب المريض يطوف راكباً) وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود (وأحمد) من حديث ابن عباس أيضًا بلفظ ((قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته)) . ووقع في حديث جابر عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف راكبًا ليراه الناس وليسألوه، فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين وحيئذٍ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبًا لغير عذر، وكلام الفقهاء يقتضى الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيهًا، قال: والذي يترجح المنع، لأن طوافه - صلى الله عليه وسلم - وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد، فإذا حوط امتنع داخله، إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله، فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي، قال: وأما طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - راكبًا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه، ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها واحتمل أيضًا أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له، فلا يقاس غيره عليه، وأبعد من استدل به على طهارة بول البعير وبعره – انتهى. وسيأتي الكلام في هذا في شرح حديث أم سلمة