مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير ".
ــ
بين الصفا والمروة (مثل الصلاة) بالرفع على الخبرية، وجوز النصب أي نحوهما، وفي رواية ((الطواف بالبيت صلاة)) أي مثلها في عدة من الأحكام كستر العروة والطهارة، وقيل أي مثلها في الثواب أو في التعليق بالبيت (إلا أنكم تتكلمون فيه) أي يجوز لكم الكلام في الطواف بخلاف الصلاة. وقال القاري: أي تعتادون الكلام فيه قال الطيبي: يجوز أن يكون الاستثناء متصلاً أي الطواف كالصلاة في الشرائط التي هي الطهارة وغيرها إلا في التكلم، ويجوز كونه منقطعًا أي الطواف مثل الصلاة لكن رخص لكم في التكلم فيه. وقال القاري: الاستثناء إما متصل أي مثلها في كل معتبر فيها وجودًا وعدمًا إلا التكلم يعني وما في معناه من المنافيات من الأكل والشرب وسائر الأفعال الكثيرة، وإما منقطع أي لكن رخص لكم في الكلام. وفي العدول عن قوله ((إلا الكلام)) نكتة لطيفة لا تخفى، ويعلم من فعله عليه الصلاة والسلام عدم شرطية الاستقبال، وليس لأصل الطواف وقت مشروط وبقى بقية شروط الصلاة من الطهارة الحكمية والحقيقية وستر العورة، فهي معتبرة عند الشافعي كالصلاة وواجبات عندنا. لأنه لا يلزم من مثل الشيء أن يكون مشاركًا له في كل شيء على الحقيقة مع أن الحديث من الآحاد، وهو ظني لا يثبت به الفرضية – انتهى. وقال المناوي: استدل به الخطابي على اشتراط الطهارة له. وقول ابن سيد الناس: المشبه لا يعطي قوة المشبه به من كل وجه وقد نبه على الفرق بينهما بحل الكلام فيه، رده المحقق أبو زرعة، لأن التحقيق أنه صلاة حقيقة إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة وهي حقيقة شرعية، ويكون لفظ الصلاة مشتركًا اشتراكًا لفظيًا بين المعهودة والطواف، ولا يرد إباحة الكلام فيه، لأن كل ما يشرط في الصلاة يشترط فيه إلا ما يستثنى، والمشي مستثنى، إذ لا يصدق اسم الطواف شرعًا إلا به. وقال المحب الطبري: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " الطواف بالبيت صلاة ". دليل على أن الطواف يشترط فيه الطهارة والستارة، وأن حكمه حكم الصلاة إلا فيما وردت فيه الرخصة من الكلام بشرط أن يكون بخير، ووجهه أنه جعله صلاة أو مثل الصلاة، ومقتضى ذلك إبطاله بالكلام مطلقًا، فلما رخص في كلام خاص وجب أن يقتصر عليه، فلا يلحق به ما عداه تقليلاً لمخالفة الدليل وما ورد في إباحة الكلام مطلقًا، فيحمل على هذا المقيد (فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير) أي من ذكر الله وإفادة علم واستفادته على وجه لا يشوش على الطائفين. وقال الطبري: من الخير المشار إليه في الحديث أن يسلم الرجل على أخيه ويسأله عن حاله وأهله ويأمر الرجل الرجل بالمعروف وينهاه عن المنكر وأشباه ذلك من تعليم جاهل أو إجابة مسألة، وهو مع ذلك كله مقبل على الله تعالى في طوافه، خاشع بقلبه، ذاكر بلسانه، متواضع في مسألته، يطلب فضل مولاه ويعتذر إليه، فمن كان بهذا الوصف رجوت أن يكون ممن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تبارك وتعالى يباهي بالطائفين. وقال أيضًا: واعلم أن التحدث في الطواف على غير النحو المتقدم خطأ كبير وغفلة عظمية، ومن لابس ذلك فقد لابس ما يمقت عليه، خصوصًا إن صدر ممن ينسب