((إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاء ما بين المشرق والمغرب)) . وكما قالوا في الجواب عن أقوال الزائغين في كون ما بين قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنبره روضة من رياض الجنة، على تقدير كونه محمولاً على الحقيقة أنه لو كان من الجنة لما نجوع ونظمأ فيها. وكما في عكس هذه الصورة من صعود بعض الأنبياء في السماء من عدم انحلال قواهم وفساد مزاجهم وتغير أحوالهم كما في الدنيا، فليكن ها هنا كذلك، والله على كل شيء قدير. ومثل هذا الكلام في قوله ((أشد بياضًا فسودته خطايا بني آدم)) بأن يكون في ابتداء نزوله أبيض، ثم جعل لذنوب بني آدم ومس أيديهم خاصية وسببية في تسويده. وأما قول بعض الزائغين بأنه لو كان هذا الذي رووه من تسويد خطايا بني آدم الحجر واقعًا لتناقلته الأمم في عجائب الأخبار فساقط من درجة الاعتبار، ولا استبعاد فيه، نعم لو قيل: المراد هو الظاهر ولكن يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى مناسب لم يستعبد. ثم ذكر الشيخ الدهلوي ما قيل في تأويل الحديث مما سبق في كلام القاضي والتوربشتي، ثم قال: وهذا كله تأويلات وتمحلات من النفس ناشئة من ضيق دائرة الإيمان ومن شرح الله صدره للإيمان ووسع دائرة المعرفة لصدقه ويقول: آمنا به، والله على كل شيء قدير، غايته أن يقال: إن المراد هو الظاهر، ويحتمل – والله أعلم – أن يكون المراد ما ذكرنا من المعاني المتناسبة فافهم، وبالله التوفيق. تنبيه: قال المحب الطبري: قد اعترض بعض الملحدة فقال: كيف يسود الحجر خطايا أهل الشرك ولا يبيضه توحيد أهل الإيمان؟ والجواب عنه من ثلاثة أوجه، الأول: ما تضمنه حديث ابن عباس (عند الأزرقي) أن الله عز وجل إنما طمس نوره ليستر زينته عن الظلمة، وكأنه لما تغيرت صفته التي كانت كالزينة له بالسواد كان ذلك السواد له كالحجاب المانع من الرؤية، وإن رُؤي جرمه، إذ يجوز أن يطلق عليه أنه غير مريء كما يطلق على المرأة المستترة بثوب أنها غير مرئية. قال الحافظ بعد ذكر هذا الجواب مختصرًا: أخرجه (أي حديث ابن عباس الذي أشار إليه الطبري) الحميدي في فضائل مكة بإسناد ضعيف – انتهى. الثاني: أجاب به ابن حبيب فقال: لو شاء الله لكان ذلك وما علمت أيها المعترض أن الله تعالى أجر العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ والبياض ينصبغ ولا يصبغ. والثالث: أن يقال بقاؤه أسود – والله أعلم – إنما كان للاعتبار، وليعلم أن الخطايا إذا أثرت في الحجر فتأثيرها في القلوب أعظم – انتهى. (رواه أحمد)(ج ١: ص ٣٠٧، ٣٢٩)(والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح بعد نقل تصحيح الترمذي: وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه اختلط، وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه، لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها. وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرًا ولفظه ((الحجر الأسود من الجنة)) وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط، وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضًا - انتهى كلام