للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليدور من شدة السعي، وسمعته يقول: " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ".

ــ

وسكون الهمز ويبدل أي إزاره (ليدور) أي حول رجليه (من شدة السعي) قال المظهر: يعني مئزره يدور حول رجليه ويلتف برجله من شدة عدوه، وفي رواية لأحمد ((حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره)) والحديث يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ماشيًا في الطواف بين الصفا والمروة، وجاء ذلك صريحًا في حديث حسن. ولا ينافيه ما ورد أنه عليه الصلاة والسلام سعي راكبًا في حجة الوداع، لإمكان الجمع بأن مشيه كان في سعي عمرة من عمره، قاله القاري. وقال المحب الطبري بعد ذكر الأحاديث التي تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - سعى راكبًا: في هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على ركوبه - صلى الله عليه وسلم - في السعي، والأحاديث المتقدمة في الفصل قبله وحديث جابر الطويل يدل على مشيه، فيحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - مشى في طوافه على ما دل عليه بعض الأحاديث، ثم خرج إلى السعي ماشيًا فسعى بعضه ماشيًا ورأته بنت أبي تجراة إذ ذاك، ثم لما كثر عليه ركب ناقته، ويؤيد ذلك قول ابن عباس ((وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل)) فإن سياقه دال على أن الركوب كان في أثناء السعي حين كثر الناس عليه فيه. وذهب ابن حزم إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان راكبًا في جميع طوافه بين الصفا والمروة عملاً بحديث جابر ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم وليسألوه، فإن الناس غشوه)) أخرجه مسلم. قال الطبري: وظاهر حديث ابن عباس يرد هذا التأويل، وحديث بنت أبي تجراة يصرح برده، والمختار فيه ما تقدم ذكره جمعًا بين الأحاديث كلها، وأما ركوبه في الطواف بالبيت فكان في طواف الإفاضة – انتهى مختصرًا. (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) قال الطيبي: أي فرض. فدل على أن السعي فرض ومن لم يسع بطل حجه عند الشافعي ومالك وأحمد – انتهى. قال القاري: وقال أبو حنيفة: السعي واجب لأن الحديث ظني وكذا المشي فيه مع القدرة وبترك الواجب يجب الدم – انتهى. وقد تقدم ذكر اختلاف الأئمة في حكم السعي في شرح حديث ابن عمر رقم (٢٥٨٩) في الفصل الأول من هذا الباب، والحديث قد استدل به من ذهب إلى أن السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة ركن من أركانهما لا يصح واحد منهما بدونه ولا يجبر بدم، وهم الجمهور مالك والشافعي وأصحابهما، وأحمد في رواية وهو حديث صحيح كما قال صاحب التلقيح وأقره ابن الهمام، أو حسن كما قال النووي. واستدل لهم أيضًا بقوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} (٢: ١٥٨) قالوا: تصريحه تعالى بأن الصفا والمروة من شعائر الله يدل على أن السعي بينهما أمر حتم لا بد منه، لأن شعائر الله عظيمة لا يجوز التهاون بها، وقد أشار البخاري في صحيحه إلى ذلك حيث قال: باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله. قال الحافظ: أي وجوب السعي بينهما مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله، قاله ابن المنير في الحاشية، واستدل لهم أيضًا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف

<<  <  ج: ص:  >  >>