في حجه وعمرته بين الصفا والمروة سبعًا. وقد دل على أن ذلك لا بد منه دليلان، الأول: هو ما تقرر في الأصول من أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان لبيان نص مجمل من كتاب الله يكون ذلك الفعل لازمًا وسعيه بين الصفا والمروة فعل بين به المراد من قوله تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله} والدليل على أن فعله بيانًا للآية هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: نبدأ بما بدأ الله به يعني الصفا، لأن الله بدأ بها في قوله {إن الصفا والمروة} الآية. وفي رواية عند النسائي ((ابدؤا بما بدأ الله به)) بصيغة الأمر. الدليل الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:((لتأخذوا عني مناسككم)) وفي رواية ((خذوا عني مناسككم)) وقد طاف بين الصفا والمروة سبعًا فيلزمنا أن نأخذ عنه ذلك من مناسكنا، ولو تركناه لكنا مخالفين أمره بأخذه عنه، والله تعالى يقول:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(٢٤: ٦٣) فاجتماع هذه الأمور الثلاثة يدل على اللزوم وهي كونه سعى بين الصفا والمروة سبعًا، وأن ذلك بيان منه لآية من كتاب الله، وأنه قال:" لتأخذوا عني مناسككم ". وكون ذلك السعي بيانًا لآية {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية أمر لا شك فيه، ويدل عليه أمران أحدهما سبب نزول الآية لأنه ثبت في الصحيحين أنها نزلت في سؤالهم عن السعي بين الصفا والمروة، وإذا كانت نازلة جوابًا عن سؤالهم عن حكم السعي بين الصفا والمروة فسعى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزولها بيان لها، والأمر الثاني: هو ما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " نبدأ بما بدأ الله به " يعني الصفا. ومن أدلة الجمهور على أن السعي فرض لا بد منه: ما رواه الشيخان عن عروة عن عائشة في سبب نزل قوله تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} وفيه ((قالت عائشة: وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما)) الحديث. وهذا صريح في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سن الطواف بين الصفا والمروة أي فرضه بالسنة. وقد أجابت عائشة عما يقال أن رفع الجناح في قوله {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} ينافي كونه فرضًا لأن ذلك في قوم تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة، وظنوا أن ذلك لا يجوز لهم، فنزلت الآية مبينة أن ما ظنوه من الحرج في ذلك منفي. وقد تقرر في الأصول في أن النص الوارد في جواب سؤال لا مفهوم مخالفة له. وقال الحافظ في الفتح: قول عائشة رضي الله عنها ((سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بين الصفا والمروة)) أي فرضه بالسنة، وليس مرادها نفي فرضيته، ويؤيده قولها لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته ما لم يطف بينهما – انتهى. وأما ما جاء في بعض قراءات الصحابة ((فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)) كما ذكره الطبري وابن المنذر وغيرهما عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم فقد أجيب عنه من وجهين، الأول: أن هذه القراءة لم تثبت قرآنًا لإجماع الصحابة على عدم كتبها في المصاحف العثمانية، وما ذكره الصحابي على أنه قرآن ولم يثبت كونه قرآنًا ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يستدل به على شيء، وهو مذهب مالك والشافعي، ووجهه أنه لما لم يذكره إلا كونه قرآنًا فبطل كونه قرآنًا بطل من أصله، فلا يحتج به على شيء. وقال بعض أهل العلم: إذا بطل كونه قرآنًا لم يمنع ذلك من الاحتجاج به كأخبار الآحاد التي ليست بقرآن، فعلى القول الأول