فلا إشكال، وعلى الثاني فيجاب عنه بأن القراءة المذكورة تخالف القراءة المجمع عليها المتواترة، وما خالف المتواترة المجمع عليه إن لم يمكن الجمع بينهما فهو باطل، والنفي والإثبات لا يمكن الجمع بينهما لأنهما نقيضان. الوجه الثاني: هو ما ذكره الحافظ في الفتح عن الطبري والطحاوي من أن قراءة ((أن لا يطوف بهما)) محمولة على القراءة المشهورة ولا زائدة – انتهى. ولا يخلو من تكلف كما ترى. ومن أدلة الجمهور على لزوم السعي ما جاء في بعض روايات حديث أبي موسى في إهلاله عند الشيخين وفيه ((طف بالبيت وبين الصفا والمروة)) فهذا أمر صريح منه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وصيغة الأمر تقتضي الوجوب ما لم يقم دليل صارف عن ذلك، وقد دل على اقتضائها الوجوب الشرع واللغة كما بين في موضعه. ومن أدلتهم على أن السعي بين الصفا والمروة لا بد منه ما قدمنا ما رواه الترمذي عن ابن عمر، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعًا. قال المجد في المنتقى بعد ذكره: وفيه دليل على وجوب السعي ووقوف التحلل عليه، ومن أدلتهم على ذلك ما جاء في بعض الروايات الثابتة في الصحيح من أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة رضي الله عنها: يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة عن حجك وعمرتك، وهذا اللفظ في صحيح مسلم. قالوا: ويفهم من قوله هذا أنها لو لم تطف بينهما لم يحصل لها إجزاء عن حجها وعمرتها. هذا تلخيص ما ذكره الشنقيطي في هذه المسألة في أضواء البيان. تنبيه: قال القاري: اعلم أن سياق الحديث يفيد أن المراد بالسعي المكتوب الجري الكائن في بطن الوادي لكنه غير مراد بلا خلاف نعلمه فيحمل على أن المراد بالسعي الطواف بينهما، واتفق أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم عند الشروع في الجري الشديد المسنون لما وصل إلى محله شرعًا أعني بطن الوادي، ولا يسن جري شديد في غير هذا المحل بخلاف الرمل في الطواف، إنما هو مشي فيه شدة وتصلب – انتهى (رواه) أي البغوي (في شرح السنة) أي بإسناده (وروى) وفي بعض النسخ ((رواه)) (أحمد مع اختلاف) في لفظه (ج ٦: ص ٤٢١، ٤٢٢) وأخرجه أيضًا الشافعي وإسحاق بن راهويه والحاكم في المستدرك في الفضائل وسكت عنه، ومن طريق أحمد الطبراني في معجمه ومن طريق الشافعي رواه الدارقطني ثم البيهقي في سننيهما وابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي وغيرهم. قال الحافظ في الإصابة: حبيبة بنت أبي تجراة العبدرية ثم الشيبية روى حديثها الشافعي عن عبد الله بن المؤمل، وابن سعد عن معاذ بن هانئ، ومحمد بن سنجر عن أبي نعيم، وابن أبي خثيمة عن شريح بن النعمان كلهم عن ابن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن بن محصن عن عطاء بن أبي رباح حدثتني صفية بنت شيبة عن امرأة يقال لها حبيبة بنت أبي تجراة، قالت: دخلنا دار أبي حسين في نسوة من قريش. فذكر الحديث ثم قال: وأخرجه الطحاوي من طريق معاذ، وقد وقع لنا بعلو في المعرفة لابن مندة من طريقه. وقد تقدم أنه اختلف في المرأة التي روت عنها صفية بنت شيبة، فقيل عن صفية عن برة، وقيل عن تملك، وقيل عن أم