أيضًا أحمد (ج ١: ص ١٦، ٢١، ٢٦، ٣٤، ٤٦، ٥١، ٥٤) وأبو داود والنسائي والترمذي والبيهقي وغيرهم. تنبيه: ذكر بعض شراح البخاري عن بعض العلماء جواز تقبيل قبره - صلى الله عليه وسلم - ومنيره وقبور الصالحين لأجل التبرك بذلك قياسًا على تقبيل الحجر الأسود، ولا يوافقهم على هذا أحد ممن يتبع السنة، بل ما ورد فيه نص صحيح صريح عن الشارع قبلناه وعملنا بمقتضاه وما لا فلا، نعم ورد أن بعض الصحابة قبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضهم قبل جهته وقبل بعض التابعين يد بعض الصحابة وعلى هذا فيجوز تقبيل يد الصالحين ومن ترجى بركتهم، قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة، وقال أبو سعيد المتولي: لا يجوز – انتهى. وأما تقبيل قبره - صلى الله عليه وسلم - ومنبره وقبور الصالحين فلم يرد أن أحدًا من الصحابة أو التابعين فعل ذلك، بل قد ورد النهي عنه. فقد روى أبو داود بسند حسن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا وصلوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". وقد تقدم هذا الحديث في باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بيان معناه وله شواهد من أوجه مختلفة. واتفق الأئمة على أنه لا يتمسح بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يقبله. وهذا كله محافظة على التوحيد. فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد كما قالت طائفة من السلف في قوله تعالى:{وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا}(٧١: ٢٣) قالوا: هؤلاء كانوا قومًا صالحين في قوم نوح. فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا على صورهم تماثيل، ثم طال عليهم الأمد فعبدوها. وروى أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنو على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل يوم القيامة ". وما جر المصائب على عوام الناس وغرس في أذانهم أن الصالحين من أصحاب القبور ينفعون ويضرون حتى صاروا يشركونهم مع الله في الدعاء ويطلبون منهم قضاء الحوائج ودفع المصائب إلا تساهل معظم المتأخرين من العلماء، وذكر هذه البدع في كتبهم ولا أدري ما الذي ألجأهم إلى ذلك وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحذر منه؟ أكان هؤلاء أعلم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها تبركًا. وما أمر عمر رضي الله عنه بقطعها إلا خوفًا من الافتتان بها. وثبت عنه رضي الله عنه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسأل عن ذلك فقالوا: قد صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر: من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعًا. وكره الإمام مالك تتبع الأماكن التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - في طريقه من المدينة إلى مكة سنة حجة الوداع والصلاة فيها تبركًا بأثره الشريف إلا في مسجد قباء، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيه راكبًا وماشيًا، وبني مالك مذهبه على سد الذرائع فرأى أن التساهل في هذا وإن كان جائزًا يجر إلى مفسدة