منصور من طريق ابن عباس قال: حججت مع عمر إحدى عشرة حجة وكان يلبي حتى يرمي الجمرة، وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم، وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة، وقالت طائفة: يقطعها إذا راح الموقف، رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي، وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي والليث، وعن الحسن البصري مثله لكن قال: إذا صلى الغداة يوم عرفة وهو بمعنى الأول، وقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد قال: حججت مع عبد الله فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي فقال رجل: أعرابي هذا؟ فقال عبد الله: أنسي الناس أم ضلوا؟ وأشار الطحاوي إلى أن كل من روى عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع، وجمع بذلك بين ما اختلف من الآثار، والله اعلم. واختلفوا أي الأولون: هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال: أفضت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة، قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى. وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة أي أتم رميها - انتهى كلام الحافظ. قال الشوكاني: والأمر كما قال ابن خزيمة، فإن هذه الزيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه - انتهى. قلت: لكن قال البيهقي في السنن الكبرى (ج ٥: ص ١٣٧) بعد ذكر رواية جابر بلفظ ((فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها)) تكبيرة مع كل حصاة كالدلالة على قطعه التلبية بأول حصاة، وكذا قال في معرفة السنن. قال: وقوله ((يلبي حتى رمى الجمرة)) أراد به حتى أخذ في رمي الجمرة وأما ما في رواية الفضل من الزيادة فإنها غريبة أوردها ابن خزيمة واختارها وليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس عن الفضل بن عباس - انتهى. واعترض عليه ابن التركماني فقال: الغريب إذا صح سنده يعمل به. وقد أخرج ابن حزم هذا الحديث في كتاب حجة الوداع بسند جيد من حديث أبي الزبير عن أبي معبد مولى ابن عباس (١) . عن الفضل، ولفظه ((ولم يزل عليه السلام يلبي حتى أتم رمي جمرة العقبة)) ، وهذا صريح وهو يقوي الرواية التي رواها ابن خزيمة واختارها. ويدل على أنها ليست بغريبة، والعجب من البيهقي كيف يترك هذا الصريح ويستدل بقوله ((يكبر)) على قطع التلبية لأول حصاة مع أن التكبير لا يمنع التلبية، إذ الحاج له أن يكبر ويلبي ويهلل، وقد بين ذلك ابن مسعود بقوله ((فما ترك التلبية حتى رمى الجمرة إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل)) . وقال أبو عمر في التمهيد: قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر: لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها.