تكلمت عليه في حاشية صحيح البخاري (في باب من يصلي الفجر بجمع) والصحيح في معناه أن مراده ما رأيته - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة لغير وقتها المعتاد لقصد تحويلها عن وقتها المعتاد وتقريرها في غير وقتها المعتاد لما في صحيح البخاري من روايته رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان. وهذا معنى وجيه، ويحمل قوله ((قبل ميقاتها)) على هذا على الميقات المعتاد، ويقال إنه غلس تغليسًا شديدًا يخالف التغليس المعتاد، لا أنه صلى قبل أن يطلع الفجر فقد جاء في حديثه وحديث غيره أنه صلى بعد طلوع الفجر، وعلى هذا المعنى لا يرد شيء سوى الجمع بعرفة، ولعله كان يرى ذلك للسفر، والله أعلم – انتهى. واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود هذا على ترك الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وجمع، وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث ابن عمر وابن عباس وغيرهم وتقدم في موضعه ما فيه كفاية، وأيضًا فالاستدلال به إنما هو من طريق المفهوم وهم لا يقولون به. وأما من قال به فشرطه أن لا يعارضه منطوق، وأيضًا فالحصر فيه ليس على ظاهره لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذا في الفتح. وقال النووي: قد يحتج أصحاب أبي حنيفة بهذا الحديث على منع الجمع بين الصلاتين في السفر، لأن ابن مسعود من ملازمي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخبر أنه ما رآه يجمع إلا في هذه الليلة، ومذهب الجمهور جواز الجمع في جميع الأسفار المباحة التي يجوز فيها القصر. والجواب عن هذا الحديث أنه مفهوم وهم لا يقولون به ونحن نقول بالمفهوم ولكن إذا عارضه منطوق قدمناه على المفهوم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بجواز الجمع ثم هو مترك الظاهر بالإجماع في صلاتي الظهر والعصر بعرفات – انتهى. وقال السندي في حاشية البخاري (ج ١: ص ٢٠١) : قد استدل به من ينفي جمع السفر كعلمائنا الحنفية، ورده النووي بأنه مفهوم وهم لا يقولون به ونحن نقول به إذا لم يعارضه منطوق كما ها هنا وتعقبه العيني فقال: لا نسلم أنهم لا يقولون بالمفهوم وإنما لا يقولون بالمفهوم المخالف – انتهى. قلت:(قائله السندي) وهذا عجيب منهما فإن استدلال الحنفية بصريح النفي الذي هو منطوق لا بالإثبات الذي يدل عليه الاستثناء بالمفهوم، ولو كان بالإثبات من باب المفهوم المخالف بالاتفاق فلم يكن لقول العيني وجه، بقي أن الاستدلال به فرع تصور معناه ومعناه ها هنا لا يخلو عن خفاء، إذ ظاهره يفيد أنه صلى الفجر قبل وقته، وهو مخالف للإجماع وقد جاء خلافه في روايات حديث ابن مسعود أيضًا وفي حديث جابر. أجيب بأن المراد أنه صلى قبل الوقت المعتاد بأن غلس، ورد بأن هذا يقتضي أن يكون المعتاد الإسفار وهو خلاف ما يفيده تتبع الأحاديث الصحاح الواردة في صلاة الفجر، أجيب بأن المراد التغليس الشديد، والحاصل أنه صلى يومئذ أول ما طلع الفجر والمعتاد أنه كان يصلي بعد ذلك بشيء، فيرد أنها صارت حينئذ لوقتها فكيف يصح عدها لغير وقتها حتى تستثني من قوله:" ما رأيت " إلخ. أجيب بأن المراد بقوله لغير وقتها المعتاد، قلت: فيلزم من