الملة الحنيفية يري ذلك منه الأقاصي والأداني، وأن يكون فعل القلب منضبطًا بفعل ظاهر – انتهى. قال الحافظ: وبمشروعيته قال الجمهور من السلف والخلف، وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء كراهته عن أبي حنيفة، وذهب غيره إلى استحبابه للإتباع حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا: هو حسن. قال: وقال مالك: يختص الإشعار بمن لها سنام. قال الطحاوي: ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه فدل على أنه ليس بنسك، لكنه غير مكروه لثبوت فعله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ: وأبعد من منع الإشعار واعتل باحتمال أنه كان مشروعًا قبل النهى عن المثلة، فإن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، بل وقع الإشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان. وقال الخطابي وغيره: اعتلال من كره الإشعار بأنه من المثلة مردود بل هو باب آخر كالكى وشق أذن الحيوان ليصير علامة وغير ذلك من الوسم وكالختان والحجامة. وشفقة الإنسان على المال عادة فلا يخشى ما توهموه من سريان الجرح حتى يفضي إلى الهلاك، ولو كان ذلك هو الملحوظ لقيده الذي كرهه به كأن يقول: الإشعار الذي يفضي بالجرح إلى السراية حتى تهلك البدنة مكروه فكان قريبًا، قال الحافظ: وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة في إطلاق كراهة الإشعار وانتصر له الطحاوي في المعاني فقال: لم يكره أبو حنيفة أصل الإشعار وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاك البدن كسراية الجرح لا سـ ... مع الطعن بالشفرة فأراد سد الباب عن العامة، لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، وأما من كان عارفًا بالسنة في ذلك فلا. وروي عن إبراهيم النخعي أيضًا أنه كره الإشعار، ذكر ذلك الترمذي، قال سمعت أبا السائب يقول: كنا عند وكيع فقال لرجل ممن ينظر في الرأي: أشعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول أبو حنيفة: هو مثلة. قال الرجل فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الإشعار مثلة. قال: فرأيت وكيعًا غضب غضبًا شديدًا وقال: أقول لك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول قال إبراهيم ما أحقك أن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا – انتهى. قال الحافظ: وفي هذا تعقب على الخطابي حيث قال: لا أعلم أحدًا من أهل العلم أنكر الإشعار غير أبي حنيفة وخالفه صاحباه وقالا في ذلك بقول عامة أهل العلم – انتهى. وفيه أيضًا تعقب على ابن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في ذلك سلف، وقد بالغ ابن حزم في هذا الموضع، ويتعين الرجوع إلى ما قال الطحاوي فإنه أعلم من غيره بأقوال أصحابه – انتهى كلام الحافظ. وقال ابن عابدين: جرى (صاحب الدر المختار) على ما قاله الطحاوي والشيخ أبو منصور الماتريدي من أن أبا حنيفة لم يكره أصل الإشعار، وكيف يكرهه مع ما اشتهر فيه من الأخبار، وإنما كره إشعار أهل زمانه الذي يخاف منه الهلاك خصوصًا في حر الحجاز فرأى الصواب حينئذ سد هذا الباب على العامة، فأما من وقف على الحد بأن قطع الجلد دون اللحم فلا بأس بذلك. قال الكرماني (في المناسك) : وهذا هو الأصح وهو اختيار قوام الدين وابن الهمام، فهو مستحب لمن أحسنه. قال في النهر: وبه يستغنى عن كون العمل على قولهما بأنه حسن – انتهى. قلت: ما روي عن أبي حنيفة من القول بكراهة