للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

....................................................................................

ــ

كنت أفتل القلائد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيقلد الغنم ويقيم في أهله حلالاً، وفي لفظ " كنت أفتل قلائد الغنم للنبي - صلى الله عليه وسلم - " رواه البخاري. ولأنه هدي فيسن تقليده كالإبل، ولأنه إذا سن تقليد الإبل مع إمكان تعريفها بالإشعار فالغنم أولى وليس التساوي في النقل شرطًا لصحة الحديث، ولأنه كان يهدي الإبل أكثر فكثر نقله – انتهى. قلت: حديث الباب مشكل على الحنفية والمالكية جدًا، وقد تمحل الحنفية للتخلص عنه بوجوه منها ما تقدم، ومنها ما سيأتي آنفًا. وقال الشنقيطي (ج ٥: ص ٥٧٥) : واعلم أن الهدي من الغنم يسن تقليده عند عامة أهل العلم. وخالف مالك وأصحابه الجمهور. وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - أهدى غنمًا فقلدها. وقال بعض أهل العلم: لا تقلد بالنعال لضعفها. وإنما تقلد بنحو عرى القرب. والظاهر أن مالكًا لم يبلغه حديث تقليد الغنم، ولو بلغه لعمل به بأنه صحيح متفق عليه – انتهى. وأجاب بعض الحنفية عن حديث الباب بأنه أراد فقهاءنا من نفي تقليد الغنم التقليد بالنعل لا بالخيط المفتول، فإذا صح الحديث بتقليد الغنم ولا شك أنه من العهن وهو الصوف المصبوغ فمحل نفي تقليد الغنم هو تقليدها بالنعال وما يشبهها، ومحل إثبات التقليد هو بالخيوط المفتولة من الصوف والوبر فإذا لا يخالف حديث الباب مذهب أبي حنيفة وفقهائنا الحنفية لم يذكروا التقليد بالخيط لا نفيًا ولا إثباتًا، فالقول والتمسك بهذا الحديث لا يخالف المذهب – انتهى. وفيه أن ذكر فتل القلائد من العهن لا يدل على الاكتفاء بالتقليد بالعهن في الغنم بل كان ذلك لأن يربط به النعل في عنق الهدي سواء كان إبلاً أو بقرًا أو غنمًا، كما أن ذكر فتل القلائد للبدن في الرواية الآتية لا يدل على الاقتصار على ذلك في الإبل والبقر، وقد ذكر البخاري في "باب تقليد الغنم" بعد رواية حديث الأسود عن عائشة حديث مسروق عنها قالت: فتلت لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - تعني القلائد قبل أن يحرم. قال الحافظ: أما إردافه برواية مسروق مع أنه لا تصريح فيها بكون القلائد للغنم فلأن لفظ الهدي أعم من أن يكون لغنم أو لغيرها، فالغنم فرد من أفراد ما يهدي، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أهدى الإبل وأهدى البقر فمن ادعى اختصاص الإبل بالتقليد فعليه البيان – انتهى. علا أنه يخالف التأويل المذكور ما تقدم عن القاري والعيني وغيرهما من نقلة المذاهب أن أبا حنيفة أنكر استنان تقليد الغنم مطلقًا، ولم يثبت عنه ولا عن غيره من فقهاء الحنفية أنهم فرقوا بين تقليد الغنم بالنعل وتقليدها بالخيوط بل أنكروه مطلقًا كما تقدم. وعلى هذا فمذهب أبي حنيفة مخالف للحديث الصحيح من غير شك، والظاهر أنه لم يبلغه الحديث، ولا ما تقدم من الآثار المذكورة في كلام العراقي والعيني وغيرهما، هذا. وقد احتج الكاساني على عدم استنان تقليد الغنم بقوله تعالى {ولا الهدي ولا القلائد} (٢: ٥) قال الكاساني في البدائع (ج ٢: ص ١٦٢) : والدليل على أن الغنم لا يقلد قوله تعالى {ولا الهدي ولا القلائد} عطف القلائد على الهدي، والعطف يقتضي المغايرة في الأصل، واسم الهدي يقع على الغنم والإبل والبقر جميعًا فهذا يدل على أن الهدي نوعان ما يقلد وما لا يقلد، ثم الإبل والبقر يقلدان بالإجماع، فتعين أن الغنم لا تقلد

<<  <  ج: ص:  >  >>