نحوه، والمراد بذلك الرد على من ادعى الإجماع على ترك إهداء الغنم وتقليدها وأعل بعض المخالفين حديث الباب بأن الأسود تفرد عن عائشة بتقليد الغنم دون بقية الرواة عنها من أهل بيتها وغيرهم. قال المنذري وغيره: وليست هذه بعلة لأنه حافظ ثقة لا يضره التفرد - انتهى. وقال العراقي في طرح التثريب: اختلفوا في استحباب تقليد الغنم فقال به الشافعي وأحمد، ورواه ابن أبي شيبة عن عائشة وعن ابن عباس: لقد رأيت الغنم يؤتى بها مقلدة. وعن أبي جعفر: رأيت الكباش مقلدة. وعن عبد الله بن عبيد بن عمير أن الشاة كانت تقلد. وعن عطاء رأيت أناسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسوقون الغنم مقلدة. وحكاه ابن المنذر عن إسحاق وأبي ثور قال: وبه أقول، وإليه ذهب ابن حبيب من المالكية. وذهب آخرون إلى أنها لا تقلد كما أنها لا تشعر، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. وحكاه ابن المنذر عن أصحاب الرأي، ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر وسعيد بن جبير ويوافقه كلام البخاري فإنه بوب على هذا الحديث (أي حديث عروة وعمرة عن عائشة: قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم)((باب فتل القلائد للبدن والبقر)) فحمل الحديث عليهما ولم يذكر الغنم - انتهى. قلت: ورد عليه الحافظ فقال: تنبيه: أخذ بعض المتأخرين من اقتصار البخاري في هذه الترجمة على الإبل والبقر أنه موافق لمالك وأبي حنيفة في أن الغنم لا تقلد وغفل هذا المتأخر عن أن البخاري أفرد ترجمة لتقليد الغنم بعد أبواب يسيرة كعادته في تفريق الأحكام في التراجم - انتهى. ثم قال العراقي: وظاهر حديث عروة عن عائشة المذكور موافق للجمهور لأنها لم تخص بذلك هديًا دون هدي، وقد صرحت بالغنم في رواية الأسود عنها كما تقدم. وقال العيني: مذهب الحنفية أن التقليد في البدنة والغنم ليست من البدنة فلا تقلد لعدم التعارف بتقليدها، ولو كان تقليدها سنة لما تركوها. وقالوا في الحديث المذكور: تفرد به الأسود ولم يذكره غيره، وادعى صاحب المبسوط أنه أثر شاذ. فإن قلت: كيف يقال: تركوها، وقد ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه أن ابن عباس قال: لقد رأيت الغنم يؤتى بها مقلدة؟ وعن أبي جعفر ((رأيت الكباش مقلدة)) وعن عبد الله بن عبيد بن عمير ((أن الشاة كانت تقلد)) وعن عطاء ((رأيت أناسًا من الصحابة يسوقون الغنم مقلدة)) قلت: ليس في ذلك كله أن التقليد كان في الغنم التي سيقت في الإحرام، وأن أصحابها كانوا محرمين، على أنا نقول إنهم ما منعوا الجواز وإنما قالوا بأن التقليد في الغنم ليس بسنة - انتهى. قلت: الآثار المذكورة نص في تقليد الغنم وظاهر في أنه كان في الغنم التي سيقت إلى الحرم ونص أيضًا في أن تقليد الغنم من الهدي كان معتادًا متعارفًا معمولاً به في ما بين الصحابة والتابعين، وحملها على غير ذلك ادعاء محض فلا يلتفت إليه، وكذا اعتذار صاحب المبسوط وغيره عن حديث الأسود عن عائشة عند الشيخين وغيرهما بادعاء أنه شاذ لم يتابعه عليه أحد، ليس مما يصغى إليه. قال ابن قدامة (ج ٣: ص ٥٤٩) : وقال مالك وأبو حنيفة: لا يسن تقليد الغنم لأنه لو كان سنة لنقل كما نقل عن الإبل، ولنا أن عائشة قالت: