بعد بلوغه محله ويجوز قبله، لأنه باقي في الذمة حتى يبلغ محله، وأما النذر المضمون الذي لم يسم للمساكين كقوله: لله علي نذر أن أتقرب إليه بنحر هدي. فله عند المالكية الأكل منه قبل بلوغ محله وبعده، وقد تقدم أن هدي التطوع إن عطب في الطريق لا يجوز له الأكل منه عند المالكية، وذهب أحمد في المشهور عنه إلى أنه لا يؤكل من الهدايا إلا دم التمتع والقران والتطوع، وبه قالت الحنفية كما سيأتي. قال الحافظ في الفتح تحت ما روى البخاري عن ابن عمر معلقًا أنه قال: لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل من سوى ذلك: وهذا القول إحدى الروايتين عن أحمد وهو قول مالك وزاد ((إلا فدية الأذى)) الأخرى عن أحمد ((لا يؤكل إلا من هدي التطوع والتمتع والقرآن)) وهو قول الحنفية بناء على أصلهم أن دم التمتع والقران دم نسك لا دم جبران – انتهى. وقال الخرقي: ولا يأكل من كل واجب إلا من هدي التمتع، قال ابن قدامة (ج ٣: ص ٥٤١) : المذهب أنه يأكل من هدي التمتع والقران دون ما سواهما نص عليه أحمد، ولعل الخرقي ترك ذكر القران لأنه متعة أو اكتفى بذكر المتعة لأنهما سواء في المعنى، فإن سببهما غير محظور فأشبها هدي المتطوع، وهذا قول أصحاب الرأي وعن أحمد أنه لا يأكل من المنذور وجزاء الصيد ويأكل مما سواهما، وهو قول ابن عمر وعطاء والحسن وإسحاق، لأن جزاء الصيد بدل والنذر جعله الله تعالى بخلاف غيرهما. وقال ابن أبي موسى: لا يأكل أيضًا من الكفارة ويأكل مما سوى هذه الثلاثة، ونحوه مذهب مالك لأن ما سوى ذلك لم يسمه للمساكين ولا مدخل للإطعام فيه فأشبه التطوع، وقال الشافعي: لا يأكل من واجب لأنه هدي وجب بالإحرام، فلم يجز الأكل منه كدم الكفارة، ولنا أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتعن معه في حجة الوداع وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة، ثم ذبح عنهن النبي - صلى الله عليه وسلم - البقرة فأكلن من لحومها، قال أحمد: قد أكل من البقرة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة خاصة، وقال ابن عمر: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج فساق الهدي من ذي الحليفة، متفق عليه. وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فأكل هو وعلي من لحمها وشربا من مرقها، رواه مسلم. ولأنهما دماء نسك فأشبها التطوع ولا يؤكل من غيرهما لأنه يجب بفعل محظور فأشبه جزاء الصيد، فأما هدي التطوع وهو ما أوجبه بالتعيين ابتداء من غير أن يكون عن واجب في ذمته، وما نحره تطوعًا من غير أن يوجبه فيستحب أن يأكل منه لقول الله تعالى {فكلوا منها}(٢٢: ٢٨) وأقل أحوال الأمر الاستحباب، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من بدنة. وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث، فرخص لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كلوا وتزودوا، فأكلنا وتزودنا. رواه البخاري، وإن لم يأكل فلا بأس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نحر البدنات الخمس قال: من شاء اقتطع ولم يأكل منهن شيئًا – انتهى. وقال في الهداية: يجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران لأنه دم نسك فيجوز الأكل منها بمنزلة الإضحية، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم هديه وحسا من المرقة، ويستحب له أن يأكل منها لما روينا وكذلك