للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله! نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: " كلوا وأطعموا

ــ

فأمر أهلها بإخراج جميع ما عندهم من لحوم الأضاحي التي اعتادوا ادخار مثلها في كل عام (فلما كان العام المقبل) أي الآتي بعده (قالوا) أي بعض الأصحاب (نفعل) بتقدير الاستفهام (كما فعلنا العام الماضي؟) من ترك الادخار، قال ابن المنير: وكأنهم فهموا أن النهي ذلك العام كان على سبب خاص وهو الدافة، وإذا ورد العام حاك في النفس من عمومه وخصوصه إشكال، فلما كان مظنة الاختصاص عاودوا السؤال فبين لهم - صلى الله عليه وسلم - أنه خاص بذلك السبب، ويشبه أن يستدل بهذا من يقول: إن العام يضعف عمومه بالسبب فلا يبقى على أصالته ولا ينتهي به إلى التخصيص، إلا ترى أنهم لو اعتقدوا بقاء العموم على أصالته لما سألوا، ولو اعتقدوا الخصوص أيضًا لما سألوا، فسؤالهم يدل على أنه ذو شأنين، وهذا اختيار الإمام الجويني. وحاصل كلام ابن المنير أن وجه قولهم ((هل نفعل كما كنا نفعل)) مع أن النهي يقتضي الاستمرار لأنهم فهموا أن ذلك النهي ورد على سبب خاص فلما احتمل عندهم عموم النهي أو خصوصه من أجل السبب سألوا، فأرشدهم إلى أنه خاص بذلك العام من أجل السبب المذكور، واستدل به على أن العام إذا ورد على سبب خاص ضعفت دلالة العموم حتى لا يبقى على أصالته، لكن لا يقتصر فيه على السبب، كذا في الفتح (قال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (كلوا) بصيغة الأمر من الأكل. قال الحافظ: تمسك به من قال بوجوب الأكل من الأضحية، ولا حجة فيه لأنه أمر بعد حظر، فيكون للإباحة. وقال النووي: يستحب الأكل من الأضحية، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها وهو قول أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا، حكاه عنه الماوردي لظاهر هذا الحديث في الأمر بالأكل مع قوله تعالى {فكلوا منها} وحمل الجمهور هذا الأمر على الندب أو الإباحة، لا سيما وقد ورد بعد الحظر كقوله تعالى {وإذا حللتم فاصطادوا} (٥: ٢) وقد اختلف الأصولين والمتكلمون في الأمر الوارد بعد الحظر، فالجمهور من أصحابنا وغيرهم على أنه للوجوب، وقال جماعة منهم من أصحابنا وغيرهم: إنه للإباحة، وسيأتي مزيد الكلام في ذلك (وأطعموا) بهمزة قطع وكسر العين المهملة، وفي حديث عائشة وأبي سعيد ((تصدقوا)) قال الخطابي: استدل بإطلاق الأحاديث على أنه لا تقييد في القدر الذي يجزئ من الإطعام. ويستحب للمضحي أن يأكل من الأضحية شيئًا ويطعم الباقي صدقة وهدية، وعن الشافعي يستحب قسمتها أثلاثًا لقوله ((كلوا وتصدقوا وأطعموا)) قال ابن عبد البر: وكان غيره يقول: يستحب أن يأكل النصف ويطعم النصف، وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب الأضاحي (وأحمد) من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة رفعه ((من ضحى فليأكل من أضحيته)) ورجاله ثقات لكن قال أبو حاتم الرازي: الصواب عن عطاء مرسل، قال النووي: مذهب الجمهور أنه لا يجب الأكل من الأضحية، وإنما الأمر فيه للأذن. وذهب بعض السلف إلى الأخذ بظاهر الأمر، وحكاه المارودي عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية، وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>