الصدقة منها فالصحيح أنه يجب التصدق من الأضحية بما يقع عليه الاسم، والأكمل أن يتصدق بمعظمها، ولنا وجه أنه لا تجب الصدقة بشيء منها، كذا في الفتح. وقال ابن حزم في المحلى: فرض على كل مضح أن يأكل من أضحيته، ولا بد ولو لقمة، وفرض عليه أن يتصدق أيضًا منها بما شاء قل أو أكثر ولا بد، ومباح له أن يطعم منها الغني والكافر وأن يهدي منها إن شاء ذلك – انتهى. وقال ابن قدامة في المغني (ج ٨: ص ٦٣٢) قال أحمد: نحن نذهب إلى حديث عبد الله ((يأكل هو الثلث ويطعم من أراد الثلث ويتصدق على المساكين بالثلث)) قال علقمة: بعث معي عبد الله بهدية فأمرني أن آكل ثلثًا وأن أرسل إلى أهل أخيه عتبة بثلث وأن أتصدق بثلث. وعن ابن عمر قال: الضحايا والهدايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين. وهذا قول إسحاق وأحد قولي الشافعي. وقال في الآخر: يجعلها نصفين، يأكل نصفًا ويتصدق بنصف لقول الله تعالى {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}(٢٢: ٢٨) وقال أصحاب الرأي: ما كثر من الصدقة فهو أفضل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى مائة بدنة وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل هو وعلى من لحمها وحسيا من مرقها ونحر خمس بدنات أو ست بدنات وقال:من شاء فليقتطع ولم يأكل منهن شيئًا. ولنا ما روي عن ابن عباس في صفة أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث. رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال: حديث حسن، ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر، ولم نعرف لهما مخالفًا في الصحابة، فكان إجماعًا، ولأن الله تعالى قال {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} والقانع السائل يقال: قنع قنوعًا إذا سأل، وقنع قناعة إذا رضي، والمعتر الذي يعتريك أي يتعرض لك لتطعمه فلا يسأل، فذكر ثلاثة أصناف، فينبغي أن يقسم بينهم ثلاثًا، قال: والأمر في هذا واسع، فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز، وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز، وقال أصحاب الشافعي: يجوز أكلها كلها. ولنا أن الله تعالى قال {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} وقال {وأطعموا البائس الفقير} والأمر يقتضي الوجوب. وقال بعض أهل العلم: يجب الأكل منها ولا تجوز الصدقة بجميعها للأمر بالأكل منها – انتهى مختصرًا. وقال في الدر المختار: يأكل من لحم الأضحية ويؤكل غنيًا ويدخر، وندب أن لا ينقص التصدق عن الثلث وندب تركه لذي عيال توسعة عليهم، وفي البدائع ((يستحب أن يأكل من إضحيته والأفضل أن يتصدق بالثلث ويتخذ الثلث ضيافة لأقربائه وأصدقائه ويدخر الثلث، وله أن يهبه جميعًا، ولو تصدق بالكل جاز، ولو حبس لنفسه الكل جاز؛ لأن القربة بالدم والتصدق باللحم تطوع)) – انتهى ملخصًا. قلت: اختلفوا في قوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} وفي قوله: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} أن حكم الأكل المأمور به في الآيتين هل هو الوجوب لظاهر صيغة الأمر أو الندب والاستحباب؟ فجمهور أهل العلم على أن الأمر بالأكل فيهما للاستحباب لا للوجوب، والقرينة الصارفة عن الوجوب هي ما زعموا من أن المشركين كانوا لا