يأكلون هداياهم فرخص للمسلمين في ذلك، وعليه فالمعنى: فكلوا إن شئتم ولا تحرموا الأكل على أنفسكم كما يفعله المشركون. وقال ابن كثير في تفسيره: إن القول بوجوب الأكل غريب وعزا للأكثرين أن الأمر للاستحباب. قال: وهو اختيار ابن جرير في تفسيره. وقال القرطبي في تفسيره:((فكلوا منها)) أمر معناه الندب عند الجمهور، ويستحب للرجل أن يأكل من هديه وإضحيته وأن يتصدق بالأكثر مع تجويزهم الصدقة بالكل وأكل الكل. وشذت طائفة فأوجبت الأكل والإطعام بظاهر الآية، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: " فكلوا وادخروا وتصدقوا " – انتهى كلام القرطبي. ورجح الشنقيطي الوجوب حيث قال: أقوى القولين دليلاً وجوب الأكل والإطعام من الهدايا والضحايا، لأن الله تعالى قال:{فكلوا منها} في موضعين، فأمر بالأكل من الذبائح مرتين، ولم يقم دليل يجب الرجوع إليه صارف عن الوجوب، وكذلك الإطعام هذا هو الظاهر بحسب الصناعة الأصولية. قال: ومما يؤيد أن الأمر في الآية يدل على وجوب الأكل وتأكيده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر مائة من الإبل فأمر بقطعة من لحم من كل واحدة منها فأكل منها وشرب من مرقها، وهو دليل واضح على أنه أراد أن لا تبقي واحدة من تلك الإبل الكثيرة إلا وقد أكل منها أو شرب من مرقها. وهذا يدل على أن الأمر في قوله {فكلوا منها} ليس بمجرد الاستحباب والتخيير إذ لو كان كذلك لاكتفى بالأكل من بعضها وشرب مرقة دون بعض. وكذلك الإطعام، فالأظهر فيه الوجوب – انتهى. وقال أبو حيان في البحر المحيط: والظاهر وجوب الأكل والإطعام، وقيل باستحبابهما. وقيل باستحباب الأكل ووجوب الإطعام، والأظهر أنه لا تحديد للقدر الذي يأكله، والقدر الذي يتصدق به، فيأكل ما شاء ويتصدق بما شاء، وقد قال بعض أهل العلم: يتصدق بالنصف ويأكل النصف. واستدل لذلك بقوله تعالى:{فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} قال: فجزأها نصفين، نصف له ونصف للفقراء، وقال بعضهم: يجعلها ثلاثة أجزاء، يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث، واستدل بقوله تعالى:{فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} فجزأها ثلاثة أجزاء، ثلث له وثلث للقانع وثلث للمعتر، هكذا قوله، وأظهرها الأول، والعلم عند الله تعالى (وادخروا) بتشديد الدال المهملة وأصله من ذخر بالمعجمة، دخلت عليها تاء الافتعال ثم أدغمت، ومنه قوله تعالى:{وادكر بعد أمة}(١٢: ٤٥) أي اجعلوا ذخيرة، وهو أمر إباحة. قال الحافظ: يؤخذ من الإذن في الادخار الجواز خلافًا لمن كرهه. وقد ورد في الادخار ((كان يدخر لأهله قوت سنة)) وفي رواية ((كان لا يدخر للغد)) والأول في الصحيحين، والثاني في مسلم، والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه ويدخر لعياله، أو أن ذلك كان لاختلاف الحال فيتركه عند حاجة الناس إليه ويفعله عند عدم الحاجة – انتهى. (فإن ذلك العام) أي الواقع فيه النهي علة لتحريم الادخار السابق وإيماء إلى أن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا