أي من الرأس (فحلقه) فيه أنه يستحب في حلق الرأس أن يبدأ بالشق الأيمن من رأس المحلوق وإن كان على يسار الحالق وإلى ذلك ذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة يبدأ بجانبه الأيسر لأنه على يمين الحالق، والحديث يرد عليه، قال الطيبي: دل الحديث على أن المستحب الابتداء بالأيمن (من رأس المحلوق) وذهب بعضهم إلى أن المستحب الأيسر – انتهى. قال القاري: أي ليكون أيمن الحالق، ونسب إلى أبي حنيفة إلا أنه رجع عن هذا، وسبب ذلك أنه قاس أولاً يمين الفاعل كما هو المتبادر من التيامن، ولما بلغه أنه عليه الصلاة والسلام اعتبر يمين المفعول رجع عن ذلك القول المبني على المعقول إلى صريح المنقول إذ الحق بالإتباع أحق، ولو وقف الحالق خلف المحلوق أمكن الجمع بين الأيمنين (أي اجتمع الابتداء بيمين الحالق والمحلوق وارتفع الخلاف وإذا تعذر الجمع فلا بد من ترجيح ما يدل عليه حديث أنس) وقال ابن عابدين في رد المحتار (ج ٢: ص ٢٤٩) تنبيه: قالوا: (أي الحنفية) يندب البداءة بيمين الحالق لا المحلوق إلا أن ما في الصحيحين يفيد العكس وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للحلاق: خذ، وأشار على الجانب الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس، قال (أي ابن الهمام) في الفتح: وهو الصواب وإن كان خلاف المذهب – انتهى. وأقول (قائله ابن عابدين) : يوافقه ما في الملتقط عن الإمام، حلقت رأسي فخطأني الحلاق في ثلاثة أشياء لما أن جلست قال: استقبل القبلة، وناولته الجانب الأيسر، فقال: ابدأ بالأيمن، فلما أردت أن أذهب قال: ادفن شعرك، فرجعت فدفنته – انتهى (نهر) أي فهذا يفيد رجوع الإمام إلى قول الحجام، ولذا قال في اللباب: هو المختار، قال شارحه: كما في منسك ابن العجمي، والبحر، وقال في النخبة: وهو الصحيح، وقد روى رجوع الإمام عما نقل عنه الأصحاب فصح تصحيح قوله الأخير، واندفع ما هو المشهور عنه عند المشائخ من البداءة من يمين الحالق وأيسر المحلوق، وقال السروجي: وعند الشافعي يبدأ بيمين المحلوق، وذكر كذلك بعض أصحابنا ولم يعزه إلى أحد، والسنة أولى، وقد صح بداءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشق رأسه الكريم من الجانب الأيمن، ولا لأحد بعده كلام، وقد كان يحب التيامن في شأنه كله، وقد أخذ الإمام بقول الحجام ولم ينكره، ولو كان مذهبه خلافه لما وافقه – انتهى ملخصًا. ومثله في ((المعراج)) و ((غاية البيان)) انتهى كلام ابن عابدين. قلت: قصة أبي حنيفة مع الحجام مشهورة كما قال الحافظ، وأخرجها أبو الفرج بن الجزري في ((مثير الغرام الساكن)) بإسناده إلى وكيع عنه، قال وكيع قال لي أبو حنيفة: أخطأت في خمسة أبواب من المناسك فعلمنيها حجام فذكرها، ثم قال: فقلت: له (أي الحجام) من أين لك ما أمرتني به؟ قال: رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا، وذكر هذه القصة المحب الطبري في ((القرى)) (ص ١١٤) مفصلاً، والحافظ في ((التلخيص)) مختصرًا، ولا اضطراب فيها أصلاً، وهي تدل على أن أبا حنيفة رجع عن قوله الأول بتعليم الحجام وتدل على عظم شأنه حيث ترك قياسه ورأيه وقبل الحق عمن هو دونه، وتدل أيضًا على أنه لم يبلغه حديث الابتداء في حلق الرأس بيمين المحلوق وإلا لما خالفه، وهو نص في مورد النزاع قاطع