ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناول الشق الأيسر. فقال " احلق ". فحلقه فأعطاه أبا طلحة، فقال:" اقسمه بين الناس ".
ــ
للخلاف اتفقت روايته عند مخرجيه على التصريح بالبداءة بشق الرأس الأيمن، وفيه بيان أن التيامن المحجوب المطلوب في حلق الرأس وهو ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله وعمله لا ما فهمه أبو حنيفة أو لا، ولذلك اضطر ابن الهمام والسروجي والإتقاني وابن نجيم والعيني وغيرهم من الحنفية إلى تصحيح قول أبي حنيفة الأخير وتصويبه واختياره (ثم دعا أبا طلحة الأنصاري) زوج أم سليم والدة أنس راوي هذا الحديث واسم أبي طلحة زيد بن سهل الجاري، تقدم ترجمته (ج ١: ص ٤٠٦) قال القاري: وكان له عليه الصلاة والسلام بأبي طلحة وأهله مزيد خصوصية ومحبة ليست لغيرهم من الأنصار وكثير من المهاجرين الأبرار رضي الله عنهم (فأعطاه) أي أبا طلحة (إياه) أي الشعر المحلوق (ثم ناول) وفي مسلم ((ثم ناوله)) أي الحالق (الشق الأيسر) من الرأس (فأعطاه أبا طلحة فقال: اقسمه بين الناس) الحديث ظاهر بل نص في أن شعر شقيه - صلى الله عليه وسلم - أعطاه أبا طلحة وفي أنه أمر بقسم شعر الشق الأيسر بين الناس ويدل عليه أيضًا رواية أبي عوانة في صحيحه بلفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الحلاق فحلق رأسه ودفع إلى أبي طلحة الشق الأيمن ثم حلق الشق الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس، وفي رواية لمسلم أنه قسم الأيمن بين من يليه وأعطى الأيسر أم سليم، وفي لفظ له ((فوزعه (أي الأيمن) الشعرة والشعرتين بين الناس ودفع الأيسر إلى أبي طلحة)) . قال الحافظ: ولا تناقض في هذه الروايات بل طريق الجمع بينها أنه ناول أبا طلحة كلا من الشقين، فأما الأيمن فوزعه أبو طلحة بأمره، وأما الأيسر فأعطاه لأم سليم زوجته بأمره - صلى الله عليه وسلم - أيضًا، زاد أحمد في رواية له لتجعلها في طيبها، وعلى هذا فالضمير في قوله يقسمه في رواية أبي عوانة يعود على الشق الأيمن وكذا قوله في رواية الباب فقال: اقسمه بين الناس – انتهى. وقال المحب الطبري: والصحيح أن الذي وزعه على الناس - صلى الله عليه وسلم - الشق الأيمن على ما تضمنه حديث توزيع الشعرة والشعرتين بين الناس، وأعطى الأيسر أبا طلحة أو أم سليم على ما تضمنه أيضًا ولا تضاد بين الروايتين، لأن أم سليم امرأة أبي طلحة فأعطاه - صلى الله عليه وسلم - لهما، فنسبت العطية تارة إليه وتارة إليها – انتهى. قال النووي: في الحديث فوائد منها بيان السنة في أعمال الحج يوم النحر بعد الدفع من مزدلفة ووصوله منى وهي أربعة: رمي جمرة العقبة أولاً، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم دخوله مكة وطواف الإفاضة، وكلها ذكرت في هذا الحديث إلا طواف الإفاضة. والسنة في هذه الأعمال الأربعة أن تكون مرتبة كما ذكرنا لهذا الحديث الصحيح، فإن خالف ترتيبها فقدم مؤخرًا أو أخر مقدمًا جاز لقوله - صلى الله عليه وسلم - ((افعل ولا حرج)) وسيأتي الكلام على هذا في الباب الآتي، ومنها طهارة شعر الآدمي وهو الصحيح من مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء، ومنها التبرك بشعره - صلى الله عليه وسلم - وجواز اقتنائه للتبرك، ومنها مواساة الإمام والكبير بين أصحابه وأتباعه فيما يفرقه عليهم