فلا إشكال، لأن ما نزل عن المنكبين طويل طولاً يحصل به المقصود. قال النووي في شرح مسلم: والوفرة أشبع وأكثر من اللمة، واللمة ما يلم بالمنكبين من الشعر، قاله الأصعمي – انتهى كلام النووي. وأما على القول الصحيح المعروف عند أهل اللغة من أنها لا تجاوز الأذنين. قال في القاموس: والوفرة الشعر المجتمع على الرأس، وأما ما سال على الأذنين منه، أو ما جاوز شحمة الأذن، ثم الجمة ثم اللمة، وقال الجوهري في صحاحه: والوفرة الشعر إلى شحمة الأذن ثم الجملة ثم اللمة، وهي التي ألمت بالمنكبين – انتهى. فالجواب أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصرن رؤسهن بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لأنهن كن يتجملن له في حياته، ومن أجمل زينتهن شعرهن، أما بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - فلهن حكم خاص بهن لا تشاركهن فيه امرأة واحدة من نساء جميع أهل الأرض، وهو انقطاع أملهن انقطاعًا كليًا من التزويج ويأسهن منه اليأس الذي لا يمكن أن يخالطه طمع فهن كالمعتدات المحبوسات بسببه إلى الموت. قال تعالى {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا إن ذلكم كان عند الله عظيمًا} واليأس من الرجال بالكلية قد يكون سببًا للترخيص في الإخلال بأشياء من الزينة لا تحل لغير ذلك السبب. وقال النووي في شرح مسلم في الكلام على هذا الحديث: قال عياض: المعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون والذوائب، ولعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلن هذا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفًا لمؤنة رؤسهن، وهذا الذي ذكره القاضي عياض من كونهن فعلنه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لا في حياته، كذا قاله أيضًا غيره (كالمازري والقرطبي والأبي) وهو متعين، ولا يظن بهن فعله في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء – انتهى كلام النووي. قال الشنقيطي: وقوله ((فيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء)) فيه عندي نظر لما قدمنا من أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته لا يقاس عليهن غيرهن، لأن قطع طمعهن في الرجال بالكلية خاصة بهن دون غيرهن، وقد يباح له من الإخلال ببعض الزينة ما لا يباح لغيره حتى إن العجوز من غيرهن لتتزين للخطّاب، وربما تزوجت لأن كل ساقطة لها لاقطة، وقد يحب بعضهم العجوز كما قال القائل:
أبي القلب إلا أم عمرو وحبها _ ... عجوزًا ومن يحبب عجوزًا يفند
كثوب اليماني قد تقادم عهده _ ... ورقعته ما شئت في العين واليد
وقال الآخر:
ولو أصبحت ليلى تدب على العصا _ ... لكان هوى ليلى جديدًا أوائله
انتهى كلام الشنقيطي ببعض الاختصار. وقيل أيضًا في الجواب عن هذا الحديث أن المراد أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يقصرن شعورهن المسترسلة ويعقدنها على القفا أو على الرأس من غير أن يتخذنها قرونًا وضفائر فتكون كالوفرة في عدم مجاوزتها الأذنين كما يفعله كثير من العجائز والأيامى في عصرنا بل عامة النساء في حالة الاغتسال بعد غسل الرأس،