سيأتي: وأما كون حلق المرأة رأسها ليس من عمل نساء الصحابة فمن بعدهم فهو أمر معروف لا يكاد يخالف فيه إلا مكابر، فالقائل بجواز الحلق للمرأة قائل بما ليس من عمل المسلمين المعروف. وفي الحديث الصحيح: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد، فالحديث يشمل عمومه الحلق بالنسبة للمحرمة بلا شك. وإذا لم يبح لها حلقه في حال النسك فغيره من الأحوال أولى، وأما كون حلق المرأة رأسها تشبهًا بالرجال فهو واضح ولا شك أن الحالقة رأسها متشبهة بالرجال لأن الحلق من صفاتهم الخاصة بهم دون الإناث عادة، وقد ورد الحديث الصحيح في لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وأما كون حلق رأس المرأة مثلة فواضح، لأن شعر رأسها من أحسن أنواع جمالها، وحلقه تقبيح لها وتشويه لخلقتها كما يدركه الحس السليم وعامة الذين يذكرون محاسن النساء في أشعارهم وكلامهم مطبقون على أن شعر المرأة الأسود من أحسن زينتها لا نزاع في ذلك بينهم في جميع طبقاتهم، وهو في أشعارهم مستفيض استفاضة يعلمها كل من له أدنى إلمام، ثم ذكر أمثلة لذلك من شعراء العرب كامرئ القيس والأعشى ميمون بن قيس وعمر بن أبي ربيعة وغيرهم، ثم قال: هذا كله يدل على أن حلق المرأة شعر رأسها نقص في جمالها وتشويه لها فهو مثلة، وبه تعلم أن العرف الذي صار جاريًا في كثير من البلاد بقطع المرأة شعر رأسها إلى قرب أصوله سنة إفرنجية مخالفة لما كان عليه نساء المسلمين ونساء العرب قبل الإسلام فهو من جملة الانحرافات التي عمت البلوى بها في الدين والخلق والسمت وغير ذلك. فإن قيل: جاء من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على حلق المرأة رأسها وتقصيرها إياه، فما دل على الحلق فهو ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت أبا فزارة يحدث عن يزيد بن الأصم عن ميمونة ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالاً وبنى بها وماتت بسرف فدفناها في الظلة التي بنى بها فيها فنزلنا أنا وابن عباس، فلما وضعناها في اللحد مال رأسها فأخذت ردائي فوضعته تحت رأسها فأجتذبه ابن عباس فألقاه، وكانت قد حلقت رأسها في الحج، فكان رأسها محجمًا)) فهذا الحديث يدل على أن ميمونة حلقت رأسها ولو كان حرامًا ما فعلته، وأما التقصير فما رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاع فسألها عن غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة، فدعت بإناء قدر صاع، فاغتسلت وبيننا وبينها ستر، وأفرغت على رأسها ثلاثًا، قال: وكان أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة. فالجواب عن حديث ميمونة على تقدير صحته أن فيه أن رأسها كان محجمًا، وهو يدل على أن الحلق المذكور لضرورة المرض لتتمكن آلة الحجم من الرأس، والضرورة يباح لها ما لا يباح بدونها، وقد قال تعالى:{وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}(٦: ١١٩) انتهى. وقيل إن ميمونة إنما حلقت رأسها في الحج عند التحلل من الإحرام ولعل ذلك أن نهي النساء عن الحلق يكون عندها نهي إرشاد لا نهي حكم فحلقت رأسها اختيار منها لترك الزينة. قال الشنقيطي: وأما الجواب عن حديث مسلم فعلى القول بأن الوفرة أطول من اللمة التي هي ما ألم بالمنكبين من الشعر