عليه حتى يحل بمنى يوم النحر ذلك أن الله تعالى قال {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} فهو محمول على كراهة التنزيه والسنة والاستحباب على ما هو المشهور من مذهب مالك، ومنها ما قال ابن الهمام أن قول القائل لم أشعر ففعلت ما يفيد أنه ظهر له بعد فعله أنه ممنوع من ذلك فلذا قدم اعتذاره على سؤاله وإلا لم يسأل أو لم يعتذر، لكن قد يقال: يحتمل أن الذي ظهر له مخالفة ترتيبه لترتيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فظن أن ذلك الترتيب متعين فقدم ذلك الاعتذار وسأل عما يلزمه به فبين عليه الصلاة والسلام في الجواب عدم تعينه عليه بنفي الحرج وأن ذلك الترتيب مسنون لا واجب، والحق أنه يحتمل أن يكون كذلك، وأن يكون الذي ظهر له كان هو الواقع إلا أنه صلي الله عليه وسلم عذرهم للجهل وأمرهم أن يتعلموا مناسكهم، وإنما عذرهم بالجهل لأن الحال إذ ذاك كان في ابتداءه، وإذا احتمل كلا منهما فالاحتياط اعتبار التعيين والأخذ به واجب في مقام الاضطراب – انتهى. ومنها أن قوله ((ولا حرج)) يحتمل أن يراد به نفي الإثم والفدية معًا عن هؤلاء السائلين الذين جهلوا الحكم الشرعي بأعيانهم لكون الجهل عذرًا مقبولاً في حقهم إذ ذاك، وإن لم يكن عذر اليوم لشيوع الأحكام الشرعية وقدم العهد بها. روى الطحاوى عن أبي سعيد الخدري قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بين الجمرتين عن رجل حلق قبل أن يرمي، قال: لا حرج، وعن رجل ذبح قبل أن يرمي، قال: لا حرج، ثم قال: عباد الله! وضع الله عز وجل الضيق والحرج، وتعلموا مناسككم فإنها من دينكم. قال العيني: فدل ذلك على أن الحرج الذي رفعه الله عنهم إنما كان لجهلهم بأمر المناسك لا لغير ذلك، وذلك لأن السائلين كانوا أناسًا أعرابًا لا علم لهم بالمناسك فأجابهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: لا حرج يعني فيما فعلتم بالجهل لا أنه أباح لهم ذلك فيما بعد – انتهى. وقال الطحاوي بعد رواية الحديث أفلا ترى أنه أمرهم بتعلم مناسكهم لأنهم كانوا لا يحسنونها فدل ذلك أن الحرج والضيق الذي رفعه الله عنهم هو لجهلهم بأمر مناسكهم لا لغير ذلك، وفيه أن حاصل هذا الاعتذار أن رفع الإثم والفدية عن السائلين الأعراب كان لجهلهم ويرجع ذلك إلى أن يكون الحكم المذكور خاصًا بهم ولا يخفى ما فيه، ومنها ما تقدم في كلام الباجي وابن التين أن ذلك لا يقتضي رفع الحرج في تقديم شيء ولا تأخيره غير المسألتين المنصوص عليهما يعني المذكورتين في رواية مالك، لأنا لا ندري عن أي شيء غيرهما سئل في ذلك اليوم، وجوابه إنما كان عن سؤال السائل فلا يدخل فيه غيره – انتهى. وتعقبه الحافظ فقال: كأنه غفل عن قوله في بقية الحديث فما سئل عن شيء قدم ولا أخر. وكأنه حمل ما أبهم فيه على ما ذكر لكن قوله في رواية ابن جريج وأشباه ذلك يرد عليه وتقدم فيما حررناه من مجموع الأحاديث عدة صور – انتهى. وأجاب عنه الزرقاني بأن مالكًا أوجب الدم في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره، لأنه أثبت الناس في ابن شهاب، وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل – انتهى. وفيه أن الإمام مالكًا معذور لكونه لم يبلغه ما