ألا هل بلغت؟ " قالوا: نعم. قال: " اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع ".
ــ
كأنه غطى على حقه الثابت له عليه، وعاشرًا وهو أن الفعل المذكور يفضي إلى الكفر لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصي جره شؤم ذلك إلى أشد منها فيخشى أن لا يختم له بخاتمة الإسلام. وقال الداودي: معناه لا تفعلوا بالمؤمنين ما تفعلون بالكفار، ولا تفعلوا بهم ما لا يحل وأنتم ترونه حرامًا. قلت (قائله الحافظ) : وهو داخل في المعاني المتقدمة قلت: واستشكل بعض الشراح غالب هذه الأجوبة بأن راوي الخبر وهو أبو بكرة فهم خلاف ذلك (لأنه ترك القتال في الفتنة) والجواب أن فهمه ذلك إنما يعرف من توقفه عن القتال واحتجاجه بهذا الحديث فيحتمل أن يكون توقفه بطريق الاحتياط لما يحتمله ظاهر اللفظ، ولا يلزم أن يكون يعتقد حقيقة كفر من باشر ذلك، ويؤيده أنه لم يمتنع من الصلاة خلفهم ولا امتثال أوامرهم ولا غير ذلك مما يدل على أنه يعتقد فيهم حقيقته – انتهى. (ألا) للتنبيه (هل بلّغت؟) بتشديد اللام، أي أعلمتكم ما أنزل إليّ من ربي وما أمرني به (اللهم اشهد) أي لي وعليهم، وإنما قال ذلك لأنه كان فرضًا عليه أن يبلغ فأشهد الله على أنه أدى ما أوجبه عليه (فليبلغ) بالتشديد ويخفف أي ليخبر (الشاهد أي الحاضر في المجلس (الغائب) أي الغائب عنه، والمراد إما تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام، قال السندي: قوله ((الشاهد)) بالرفع فاعل ليبلغ، و ((الغائب)) بالنصب على أنه مفعول أول والمفعول الثاني محذوف، أي العلم الذي حضر سماعه أي ليعم البلاغ الكل كما هو مقتضى عموم الرسالة إليهم، ولأنه قد يفهم المبلغ ما لا يفهمه الحامل من الأسرار والعلوم وهذا معنى قوله:(فرب مبلغ) بتشديد اللام المفتوحة اسم مفعول أي من يبلغه كلامي بواسطة (أوعى) أي أحفظ لمبناه وأفهم لمعناه (من سامع) سمعه مني مباشرة. قال الحافظ: أي رب شخص بلغه كلامي فكان أحفظ له وأفهم لمعناه من الذي نقله. قال المهلب: فيه أنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه إلا أن ذلك يكون في الأقل، لأن ((رب)) موضوعة للتقليل. قلت (قائله الحافظ) : هي في الأصل كذلك إلا أنها استعملت في التكثير بحيث غلبت على الاستعمال الأول، لكن يؤيد أن التقليل هنا مراد أنه وقع في رواية للبخاري بلفظ ((عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه)) وقوله ((أوعى من سامع)) نعت لمبلغ، والذي يتعلق به رب محذوف وتقديره يوجد أو يكون، ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر فلا حذف ولا تقدير وفي الحديث من الفوائد الحث على تبليغ العلم وجواز التحمل قبل كمال الأهلية وأن الفهم ليس شرطًا في الأداء. قال الحافظ: في الحديث دلالة على جواز تحمل الحديث لمن لم يفهم معناه ولا فقهه إذا ضبط ما يحدث به، ويجوز وصفه بكونه من أهل العلم بذلك، وفيه أيضًا وجوب تبليغ العلم على الكفاية، وقد يتعين في حق بعض الناس، وفيه تأكيد التحريم وتغليظه بأبلغ ممكن من تكرار ونحوه،