" فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض،
ــ
حيث قالوا: بلى. قال الحافظ: وهذا جمع حسن (فإن دماءكم وأموالكم) إلخ. تقدم شرح هذه الجملة في شرح حديث جابر الطويل المذكور في باب صفة الحج والمراد بهذا كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض والتحذير من ذلك (وستلقون ربكم) أي يوم القيامة (فيسألكم عن أعمالكم) أي القليلة والكثيرة (ألا) للتنبيه (فلا ترجعوا بعدي) أي لا تصيروا بعد فراقي من موقفي هذا، أو بعد موتي ووفاتي، وهو الأظهر، وفيه استعمال رجع كصار معني وعملاً. قال ابن الملك: وهو مما خفي على أكثر النحويين. أي لا تصيروا بعدي (ضلالاً) بضم الضاد وتشديد اللام جمع ضال وفي رواية أخرى ((كفارًا)) أي كالكفار أو لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا القتال، أو لا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع الباء من يضرب على أنها جملة مستأنفة مبينة لقوله ((لا ترجعوا بعدي ضلالاً)) ويجوز الجزم. قال أبو البقاء: على تقدير شرط مضمر أي ((إن ترجعوا بعدي يضرب)) وقال الحافظ: قوله ((يضرب)) بجزم الباء على أنه جواب النهي، وبرفعها على الاستيناف أو يجعل حالاً. وقال النووي: الرواية ((يضرب)) برفع الباء هذا هو الصواب، وهكذا رواه المتقدمون والمتأخرون، وبه يصح المقصود هنا. ونقل القاضي عياض أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء. قال القاضي: وهو إحالة للمعنى والصواب الضم. قال النووي: في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: فلا ترجعوا بعدي كفارًا، إلخ. سبعة أقوال أحدها أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق، والثاني أن المراد كفر النعمة وحق الإسلام، والثالث أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه، والرابع أنه فعل كفعل الكفار، والخامس المراد حقيقة الكفر، ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين، والسادس حكاه الخطابي وغيره أن المراد المتكفرون بالسلاح، يقال: تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه، قال الأزهري في كتابه (تهذيب اللغة)) يقال للابس السلاح كافر. والسابع معناه: لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال بعضكم بعضًا، قاله الخطابي. قال النووي: وأظهر الأقوال الرابع وهو اختيار القاضي عياض. وقال الحافظ: جملة ما فيه من الأقوال ثمانية، أحدها قول الخوارج أنه على ظاهره، ثانيها هو في المستحلين، ثالثها المعني كفارًا بحرمة الدماء وحرمة المسلمين وحقوق الوالدين، رابعها تفعلون فعل الكفار في قتل بعضهم بعضًا، خامسها لابسين السلاح يقال: كفر درعه إذا لبس فوقها ثوبًا، سادسها كفارًا بنعمة الله، سابعها المراد الزجر عن الفعل، وليس ظاهره مرادًا، ثامنها لا يكفر بعضكم بعضًا كأن يقول أحد الفريقين للآخر يا كافر فيكفر أحدهما، ثم وجدت تاسعًا وهو أن المراد ستر الحق، والكفر لغة الستر، لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه، فلما قاتله