قال: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح. ثم قال افعل كما يفعل أمرآؤك. متفق عليه.
ــ
ابن الزبير أن من السنة أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، قال به علماء الأمصار. قال: ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئًا، ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم الترويه حتى دخل الليل وذهب ثلثه. قال ابن المنذر: والخروج إلى منى في كل وقت مباح. قلت: الظاهر من سياق حديث أنس وجابر أن توجهه - صلى الله عليه وسلم - كان قبل الزوال. وذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب ((شرف المصطفى)) أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - يوم التروية كان ضحوة النهار، وهذا يدل على استحباب الغدو من الغد. وفي سيرة الملا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى منى بعد ما زاغت الشمس. وهذا يدل على استحباب الرواح بعد الزوال. قال الطبري: يمكن أن يكون - صلى الله عليه وسلم - تأهب للتوجه ضحوة النهار وتوجه في أول الزوال، ويكون أمره بالرواح على ما رواه الشافعي عن الحسن بن مسلم للراكب المخف الذي يصل إلى منى قبل فوات الصلاة وأمره بالغدو للماشي أو لذي الثقل أو يكون أمر بهما توسعة فيهما، فالمتوجه إلى منى مخير بين الغدو والرواح لذلك. وقد اتفقت الروايات كلها على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بها الظهر والعصر – انتهى. وقال المهلب: الناس في سعة من هذا يخرجون متى أحبوا ويصلون حيث أمكنهم، ولذلك قال أنس: صل حيث يصلي أمراؤك، والمستحب في ذلك ما فعله الشارع، صلى الظهر والعصر بمنى، وهو قول مالك والثوري أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور (قال) كذا في جميع النسخ من المشكاة، وفي الصحيحين ((قلت)) بدل ((قال)) قال القاري: في قوله ((قال)) التفات، إذ حقه أن يقول ((قلت)) (يوم النفر) بفتح النون وسكون الفاء وهو الرجوع والانصراف من منى. قال القاري: أي النفر الثاني وهو اليوم الثالث من أيام التشريق (قال: بالأبطح) أي البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع، وهي التي يقال لها المحصب، وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة، قاله الحافظ. وقد تقدم ما ذكره القاري في الفرق (ثم قال) أي أنس (افعل كما يفعل أمراؤك) قال الحافظ: خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له: صل مع الأمراء حيث يصلون، وفيه إشعار لأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز، وأن الإتباع أفضل يعني إتباعهم أفضل خوفًا من حدوث فتنة. وقال القاري: أي لا تخالفهم فإن نزلوا به أي (بالأبطح) فانزل، وإن تركوه فاتركه حذرًا مما يتولد على المخالفة من المفاسد فيفيد أن تركه لعذر لا بأس به. انتهى. قال الحافظ: وفي الحديث الإشارة إلى متابعة أولي الأمر والاحتراز عن مخالفة الجماعة (متفق عليه) وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والدرامي وابن خزيمة وأبو عوانة في صحيحه، وابن الجارود في المنتقى وسمويه في فوائده وابن المنذر والإسماعيلي والبيهقي.