للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إنما نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج. متفق عليه.

ــ

فذكر نحوه، وكان نزوله - صلى الله عليه وسلم - بالمحصب شكرًا لله تعالى على ما منحه فيه من الظهور فيه على أعدائه الذين تقاسموا فيه على قطيعته ومضرته، وتذكيرًا للنعمة من القضاء على الكفر وإظهار دينه ونصرته وتأييده. وقال ابن الهمام بعد ذكر حديث أسامة وأبي هريرة: فثبت بهذا أنه نزله قصدًا ليرى لطيف صنع الله به وليتذكر فيه نعمته سبحانه عليه عند مقايسته نزوله به الآن إلى حاله قبل ذلك، أعني حال انحصاره من الكفار في ذات الله تعالى. وهذا أمر يرجع إلى معنى العبادة، ثم هذه النعمة التي شملته عليه الصلاة والسلام من النصر والاقتدار على إقامة التوحيد وتقرير قواعد الوضع الإلهي الذي دعا الله تعالى إليه عباده لينتفعوا به في دنياهم ومعادهم لا شك في أنها النعمة العظمى على أمته لأنهم مظاهر المقصود من ذلك المؤيد، فكل واحد منهم جدير بتفكرها والشكر التام عليها لأنها عليه أيضًا فكان سنة في حقهم، لأن معنى العبادة في ذلك يتحقق في حقهم أيضًا، وعن هذا حصب الخلفاء الراشدون، وعلى هذا الوجه لا يكون كالرمل ولا على الأول، لأن الإراءة لم يلزم أن يراد بها إراءة المشركين، ولم يكن بمكة مشرك عام حجة الوداع، بل المراد إراءة المسلمين الذين كان لهم علم بالحال الأول، كذا في المرقاة. قلت: ومذهب الحنفية في ذلك على ما في فروعهم وفي مناسكهم أن السنة أن ينزل به ولو ساعة ويدعو أو يقف على راحلته ويدعو. قال في الدر المختار: وإذا نفر إلى مكة نزل استنانًا ولو ساعة بالمحصب. قال ابن عابدين: قوله ((ولو ساعة)) يقف فيه على راحلته يدعو فيحصل بذلك أصل السنة. وأما الكمال فما ذكره الكمال ابن الهمام من أنه يصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعة ثم يدخل مكة (بحر) وفي شرح النقاية للقاري: والأظهر أن يقال إنه سنة كفاية لأن ذلك الموضع لا يسع الحاج جميعهم، وينبغي لأمراء الحج وكذا غيرهم أن ينزلوا فيه ولو ساعة إظهار للطاعة – انتهى. وفي المدونة: استحب مالك لمن يقتدي به أن لا يدع النزول به ووسع لمن لا يقتدي به في تركه، وكان يفتي به سرًا وفي العلانية يفتي بالنزول به لجميع الناس (إنما نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان أسمح لخروجه) أي أسهل لمخرجه إلى المدينة ليجتمع الناس إليه مدة مقامه ثم يرحلوا لرحيله، فليس ذاك لقصد النسك حتى يكون سنة (إذا خرج) أي إذا أراد الخروج إلى المدينة. قال الحافظ: قوله ((أسمح)) أي أسهل لتوجهه إلى المدينة يستوي في ذلك البطيء والمعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة. وقال الطيبي: لأنه كان يترك فيه ثقله ومتاعه، أي كان نزوله بالأبطح ليترك ثقله ومتاعه هناك ويدخل مكة فيكون خروجه منها إلى المدينة أسهل – انتهى. قال القاري: وفيه أنه لا ينافيه قصد النزول به للمعنى الذي ذكره ابن الهمام كما مر (متفق عليه) وتفرد مسلم منه بقولها ((نزول الأبطح ليس بسنة)) والحديث أخرجه أيضًا أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والبيهقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>