للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت،

ــ

من لم يطف. وقال القاري: أي بعد حجهم في كل طريق طائفًا وغير طائف (لا ينفرن أحدكم) أي النفر الأول وهو الذي يكون في اليوم الثاني من التشريق لمن تعجل أو النفر الثاني وهو في اليوم الثالث لمن تأخر، أو لا يخرجن أحدكم من مكة. والمراد به الآفاقي، وقوله ((أحدكم)) هكذا وقع في نسخ المشكاة، والذي في صحيح مسلم ((لا ينفرن أحد)) (حتى يكون آخر عهده بالبيت) أي الطواف به كما رواه أبو داود، وقوله بالبيت خبر كان والسياق المذكور لمسلم، ولفظ البخاري ((قال ابن عباس: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض)) وكذا وقع في رواية لمسلم. قال الحافظ: قوله ((أمر الناس)) كذا في رواية سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس على البناء لما لم يسم فاعله، والمراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا قوله ((خفف)) وقد رواه سفيان أيضًا عن سليمان الأحوال عن طاوس فصرح فيه بالرفع، ولفظه عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهد بالبيت، وأخرجه مسلم هو والذي قبله عن سعيد بن منصور عن سفيان بالإسنادين فرقهما فكأن طاوسًا حدث به على الوجهين، ولهذا وقع في رواية كل من الروايين عنه ما لم يقع في رواية الآخر. وفيه دليل على وجوب طواف الوداع للأمر المؤكد به وللتعبير في حق الحائض بالتخفيف كما سيأتي، والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد. قال النووي: في الحديث دلالة لمن قال بوجوب طواف الوداع وأنه إذا تركه لزمه دم وهو الصحيح في مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء منهم الحسن البصري والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال مالك وداود وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين – انتهى. قال الحافظ: والذي رأيته في الأوسط لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء – انتهى. قال الشوكاني: قد اجتمع في طواف الوداع أمره - صلى الله عليه وسلم - به ونهيه عن تركه وفعله الذي هو بيان للمجمل الواجب، ولا شك أن ذلك يفيد الوجوب. وقال ابن قدامة: طواف الوداع واجب ينوب عنه الدم إذا تركه، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي. وقال أيضًا: من أتى مكة لا يخلو إما أن يريد الإقامة بها أو الخروج منها فإن أقام بها فلا وداع عليه لأن الوداع من المفارق لا من الملازم، سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن نوى الإقامة بعد أن حل له النفر لم يسقط عنه الطواف ولا يصح، لأنه غير مفارق، فلا يلزمه وداع كمن نواها قبل حل النفر، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت، وهذا ليس بنافر. فأما الخارج من مكة فليس له أن يخرج حتى يودع البيت بطواف، وهو واجب من تركه لزمه دم، وبذلك قال الحكم وحماد والثوري وإسحاق وأبو ثور. وقال الشافعي في قول له (ضعيف) : لا يجب بتركه شيء، وبه قال مالك كما تقدم، لأنه يسقط عن الحائض فلم

<<  <  ج: ص:  >  >>