يكن واجبًا. ولنا ما روى ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلخ. ولمسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت، وليس في سقوطه عن المعذور ما يجوز سقوطه لغيره كالصلاة تسقط عن الحائض وتجب على غيرها، بل تخصيص الحائض بإسقاطه عنها دليل على وجوبه على غيرها، إذ لو كان ساقطًا عن الكل لم يكن لتخصيصها بذلك معنى. ووقته بعد فراغ المرء من جميع أموره ليكون آخر عهده بالبيت على ما جرت به العادة في توديع المسافر إخوانه وأهله، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: حتى يكون آخر عهده بالبيت. ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي لا وداع عليه، ومن كان منزله خارج الحرم قريبًا منه فظاهر كلام الخرقي أنه لا يخرج حتى يودع البيت، وهذا قول أبي ثور، وقال: أصحاب الرأي في أهل المواقيت إنهم بمنزلة أهل مكة في عدم وجوب طواف الوداع. ولنا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت. ولأنه خارج من مكة فلزمه التوديع كالبعيد، فإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج ففيه روايتان: إحداهما يجزئه عن طواف الوداع لأنه أمر يكون آخر عهده بالبيت، وقد فعل، ولأن ما شرع لتحية المسجد أجزأ عنه الواجب من جنسه كتحية المسجد بركعتين تجزئ عنهما المكتوبة، وعنه (أي عن أحمد وهي الرواية الثانية) لا يجزئه عن طواف الوداع لأنهما عبادتان واجبتان فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى كالصلاتين الواجبتين، فإن طاف للوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة فعليه إعادته، وبهذا قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور. وقال أصحاب الرأي: إذا طاف للوداع بعد ما حل له النفر أجزأه، وإن أقام شهرًا أو أكثر (أي لا إعادة عليه، والأفضل أن يعيد) لأنه طاف بعد ما حل له النفر فلم يلزمه إعادته كما لو نفر عقبيه. ولنا قوله عليه السلام: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت، ولأنه إذا أقام بعده خرج عن أن يكون وداعًا في العادة، فلم يجزئه كما لو طافه قبل حل النفر. فأما إن قضى حاجة في طريقه أو اشترى زادًا أو شيئًا لنفسه في طريقه لم يعده، لأن ذلك ليس بإقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت، وبهذا قال مالك والشافعي، ولا نعلم مخالفًا لهما، فإن خرج قبل طواف الوداع رجع إن كان بالقرب (فطاف) وإن بعد بعث بدم، هذا قول عطاء والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور. والقريب هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، والبعيد من بلغ مسافة القصر. نص عليه أحمد وهو قول الشافعي. وقال الثوري: حد ذلك الحرم، فمن كان في الحرم فهو قريب ومن خرج منه فهو بعيد، وإن لم يمكنه الرجوع لعذر فهو كالبعيد، ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم، إلى آخر ما بسط الكلام في هذه المسألة. وقال العيني: قال أصحابنا الحنفية: هو واجب على الآفاقي دون المكي والميقاتي ومن دونهم: وقال أبو يوسف: أحب إلى أن يطوف المكي لأنه يختم المناسك، ولا يجب على الحائض والنفساء ولا على المعتمر، لأن وجوبه عرف نصًا في الحج فيقتصر عليه (وما ورد في ثبوته على المعتمر فهو حديث ضعيف أخرجه