قال: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا. ألا لا يجني جان على نفسه،
ــ
رواية ((قال: أي يوم أحرم؟ (أي أعظم وأشد حرمة وأكثر احترامًا) فقال الناس: يوم الحج الأكبر)) وفيه دليل لمن يقول: إن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وقد وردت في ذلك أحاديث أخرى ذكرها السيوطي في الدر المنثور والحافظ ابن كثير في تفسيره. منها ما رواه البخاري في باب الخطبة أيام منى تعليقًا من حديث ابن عمر قال: وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بها وقال: هذا يوم الحج الأكبر. فطفق النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم اشهد. وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع، ووصل هذا التعليق أبو داود وابن ماجة والطبراني. ومنها ما رواه البخاري أيضًا في باب كيف ينبذ إلى أهل العهد من كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى.... إلى أن قال: ويوم الحج الأكبر يوم النحر. واختار هذا القول الحافظ ابن جرير، وهو قول مالك والشافعي والجمهور، وسمي بذلك لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله، وقال الحافظ: لأن فيه تتكمل بقية المناسك، وذهب آخرون منهم عمر وابن عباس وطاوس إلى أنه يوم عرفة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الحج عرفة. وفيه أقوال أخرى، ذكرها العيني والحافظ في الفتح في تفسير سورة براءة، والقول الأول أرجح وأما ما اشتهر على ألسنة العوام من أن يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة كان الحج حجًا أكبر يعني أن الحج الأكبر ما كان فيه الوقوف بعرفة يوم الجمعة، فهذا مما لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة ولا هو المراد بالحج الأكبر المذكور في الكتاب والسنة، نعم له فضل ومزية كما يدل عليه ما ذكره رزين في تجريده عن طلحة بن عبيد الله بن كريز مرسلاً مرفوعًا، ولكن لا يعرف إسناده ولا من خرجه، وقد تقدم التنبيه على هذا في باب الوقوف بعرفة ثم قولهم ((يوم الحج الأكبر)) بظاهره ينافي جوابهم السابق ((والله ورسوله أعلم)) وقد تقدم وجه التوفيق فتذكر (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا) أي مكة أو الحرم المحترم وزاد في رواية ابن ماجة والترمذي في التفسير ((في شهركم هذا)) أريد بذلك أن دم كل واحد حرام عليه وعلى غيره. وأما في المال فالمراد أن مال كل واحد حرام على غيره لا عليه إلا في الباطل فقد يصير حرامًا عليه أن يصرفه فيه، قاله السندي (ألا) للتنبيه (لا يجني جان على نفسه) قال الطيبي: خبر في معنى النهي ليكون أبلغ يعني كأنه نهاه فقصد أن ينتهي فأخبر به، والمراد الجناية على الغير إلا أنها لما كانت سببًا للجناية على نفسه أنذرها في صورتها ليكون أدعى إلى الامتناع، ويدل على ذلك أنه روي في بعض طرق الحديث ((إلا على نفسه)) وحينئذ يكون خبرًا بحسب المعنى أيضًا، كذا في المرقاة، وقال في اللمعات: قوله ((ألا لا يجني جان على نفسه)) خبر بمعنى النهي. والمراد لا يجني أحدكم على الغير فيكون سببًا للجناية على نفسه اقتصاصًا ومجازاة، ولما كان هذا في