ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده. ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدًا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به ".
ــ
معنى النهي عن الجناية على الغير والغير أعم أردفه بذكر النهي عن الجناية على والد ومولود تخصيصًا بعد تعميم لاختصاصه بمزيد قبح وشناعة، وقد روى: ألا لا يجني جان إلا على نفسه، وحينئذ يكون خبرًا بحسب المعنى أيضًا انتهى. قلت: قوله ((لا يجني جان على نفسه)) هكذا وقع في جميع نسخ المشكاة، والذي في الترمذي وابن ماجة: لا يجني جان إلا على نفسه، وكذا وقع في المصابيح، فالظاهر أن ما وقع في المشكاة خطأ من المصنف أو الناسخ. قال السندي: لا يجني جان إلا على نفسه أي لا يرجع وبال جنايته من الإثم أو القصاص إلا إليه. وقال الجزري في النهاية: الجناية الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العذاب أو القصاص في الدنيا والآخرة، المعنى أنه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه وأباعده، فإذا جنى أحدهما جناية لا يعاقب بها الآخر كقوله تعالى:? {?ولا تزر وازرة وزر أخرى} انتهى (ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده) قال القاري: يحتمل أن يكون المراد النهي عن الجناية عليه لاختصاصها بمزيد قبح، وأن يكون المراد تأكيد لا يجني جان على نفسه، فإن عادتهم جرت بأنهم يأخذون أقارب الشخص بجنايته. والحاصل أن هذا ظلم يؤدي إلى ظلم آخر، والأظهر أن هذا نفي فيوافق قوله تعالى:{? ولا تزر وازرة وزر أخرى} وإنما خص الولد والوالد لأنهما أقرب الأقارب، فإذا لم يؤاخذا بفعله فغيرهما أولى، وفي رواية ((لا يؤخذ الرجل بجريمة أبيه)) وضبط بالوجهين (ألا وإن الشيطان) هو إبليس الرئيس أو الجنس الخسيس (قد أيس) أي قنط (أن يعبد) قال القاري: أي من أن يطاع في عبادة غير الله تعالى، لأنه لم يعرف أنه عبده أحد من الكفار – انتهى. وقيل معناه إن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم، ولا يرد على هذا مثل أصحاب مسيلمة ومانعي الزكاة وغيرهم ممن ارتد لأنهم لم يعبدوا الصنم. ويحتمل معنى آخر وهو أنه أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أن المصلين من أمتي لا يجمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان كما فعلته اليهود والنصارى، ولك أن تقول: معنى الحديث أن الشيطان أيس من أن يتبدل دين الإسلام ويظهر الإشراك ويستمر ويصير الأمر كما كان من قبل، ولا ينافيه ارتداد من ارتد بل لو عبد الأصنام أيضًا لم يضر في المقصود فافهم، كذا في اللمعات مع زيادة (في بلدكم هذا) أي مكة، قال القاري: أي علانية، إذ قد يأتي الكفار مكة خفية، قلت: قوله ((في بلدكم هذا)) كذا وقع في رواية ابن ماجة، وللترمذي في الفتن ((في بلادكم هذه)) يعني مكة وما حولها من جزيرة العرب (ولكن ستكون له طاعة) أي انقياد أو إطاعة (فيما تحتقرون) من الاحتقار أي تحسبون ذلك حقيرة صغيرة، ويكون فيها طاعة ومرضاة للشيطان (من أعمالكم) أي دون الكفر من القتل والنهب ونحوهما من الكبائر وتحقير الصغائر (فسيرضى) بصيغة المعلوم أي الشيطان (به) أي بالمحتقر حيث لم يحصل له الذنب