وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم، وهو يوقد تحت قدر، والقمل تتهافت على وجهه، فقال:" أيؤذيك هوامك؟ ". قال: نعم. قال: " فاحلق رأسك،
ــ
إذ مر به وهو يوقد تحت القدر – انتهى. وقال الطبري: يحتمل أن يكون وقف عليه - صلى الله عليه وسلم - وأمره بذلك ثم حمل إليه لما كثر عليه فأمره ثانيًا فلا يكون بين قوله ((فحملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قوله ((مر به)) تضاد. وقال العيني بعد ذكر اختلاف الروايات: لا تعارض في شيء من ذلك ووجهه أنه مر به وهو محرم في أول الأمر وسأله عن ذلك، ثم حمل إليه ثانيًا بإرساله إليه، وأما إتيانه فبعد الإرسال، وأما رؤيته فلا بد منها في الكل – انتهى باختصار يسير (وهو) أي كعب (بالحديبية) تقدم ضبطها والكلام عليها، وكان ذلك سنة ست من الهجرة وكانوا محرمين بعمرة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصدهم المشركون عن دخول مكة (قبل أن يدخل مكة) أي وهو يتوقع دخولها حين لم يقع منع عن وصولها، وفي رواية للبخاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رآه وإنه ليسقط القمل على وجهه، فقال: أيؤذيك هوامك؟ قال نعم، فأمره أن يحلق وهم بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون وهم على طمع أن يدخلوا مكة فأنزل الله الفدية (وهو يوقد) من الإيقاد (تحت قدر) وفي رواية ((برمة)) والقمل) أي جنسه وهو بفتح القاف وسكون الميم، دويبة تتولد من العرق والوسخ في بدن الإنسان أو ثوبه أو شعره تسمى بالفارسية ((سبس)) وبالأردوية ((جوين)) تتهافت) بالتائين، وفي مسلم ((يتهافت)) أي بصيغة التذكير يعنى تتساقط شيئًا فشيئًا، من التهافت وهو تساقط الشيء قطعة قطعة كالثلج والرذاذ ونحوهما (على وجهه) وفي رواية لأحمد ((قملت حتى ظننت أن كل شعرة من رأسي فيها القمل من أصلها إلى فرعها. وفي رواية له أيضًا ((وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي)) وفي رواية لأبي داود ((أصابتني هوام حتى تخوفت على بصري)) (فقال أيؤذيك) بالتذكير، وفي بعض النسخ بالتأنيث (هوامك) بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأخشاش والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبًا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد وقع في الرواية هذه نفسها القمل فهو المراد بالهوام.قال الحافظ: قد عين في كثير من الروايات أنها القمل، وقال في موضع آخر: الهوام اسم للحشرات لأنها تهم أن تدب، وإذا أضيفت إلى الرأس اختصت بالقمل. وقال القاري: الهوام جمع هامة بتشديد الميم وهي الدابة التي تسير على السكون كالنمل والقمل. قال القرطبي: قوله ((أيؤذيك هوامك؟)) هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفف عنه – انتهى. قال الحافظ: واستدل به على أن الفدية مرتبة على قتل القمل، وتعقب بذكر الحلق. فالظاهر أن الفدية مرتبة عليه، وهما وجهان عند الشافعية. ويظهر أثر الخلاف فيما لو حلق ولم يقتل قملاً (فاحلق رأسك) أمر إباحة، قاله القاري. وفي رواية ((فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلق رأسه، قال الباجي: والأمر وإن كان يقتضي الوجوب أو الندب ولا تكون الإباحة أمرًا فقد يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ندبه