عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم – الحديث. وفي رواية مالك في الموطأ عن عبد الكريم بإسناده في آخر الحديث ((أي ذلك فعلت أجزأ)) . قال الحافظ: لكن رواية عبد الله بن معقل عند الشيخين تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك، ولفظه عند البخاري قال: أتجد شاة؟ قال: لا، قال: فصم أو أطعم، ولأبي داود في رواية أخرى: أمعك دم؟ قال: لا، قال: فإن شئت فصم)) ونحوه للطبراني من طريق عطاء عن كعب، ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني، وزاد بعد قوله ((ما أجد هديًا)) قال: فأطعم. قال: ما أجد. قال: فصم، ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه: فيه دليل على أن من وجد نسكًا لا يصوم يعني ولا يطعم لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد بن جبير ((قال: النسك شاة، فإن لم يجد قومت الشاة دراهم، والدراهم طعامًا فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يومًا)) أخرجه من طريق الأعمش عنه، قال: فذكرته لإبراهيم فقال: ((سمعت علقمة مثله)) فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين وقد جمع بينهما بأوجه، منها: ما قال ابن عبد البر: إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه، ومنها ما قال النووي: ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقد الهدي بل المراد أنه استخبره هل معه هدي أو لا، فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام وإن لم يجده أعلمه أه مخير بينهما، ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم. ومنها: ما قال غيرهما: يحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - أو بوحي غير متلو فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصوم فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه، ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال: أتجد شاة؟ قلت: لا، فنزلت هذه الآية ((ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)) فقال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم، وفي رواية عطاء الخراساني قال: صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، قال: وكان قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به، ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب، وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره، وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاهًا بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح أو الإطعام – انتهى كلام الحافظ. ثم إن التخيير في الفدية بأنواعها الثلاثة هل يختص بالعذر والضرورة أو يعم، وأن الفدية المذكورة تختص بالحلق أو تعم الحلق وغيره من محرمات الإحرام كاللبس والتطيب؟ وهل تختص بالعمد أو تعم العمد والخطأ والنسيان؟ وما هو حكم بعض شعر الرأس وحكم شعر الجسد غير الرأس؟ العلماء مختلفون في ذلك كله من أراد الوقوف على مذاهبهم ومستندات