علقمة كلهم قالوا: حمارًا وحشيًا، كما قال مالك، وخالفهم سفيان بن عيينة عن الزهري فقال: أهديت له من لحم حمار وحش، رواه مسلم، وله عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ((رجل حمار وحش)) وله عن شعبة عن الحكم ((عجز حمار وحش يقطر دمًا)) وفي أخرى له ((شق حمار وحش)) فهذه الروايات صريحة في أنه عقير، وأنه إنما أهدى بعضه لا كله، ولا معارضة بين رجل وعجز وشق لأنه يحمل على أنه أهدي رجلاً معها الفخذ وبعض جانب الذبيحة – انتهى. وقال الحافظ: لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال: لحم حمار وحش. أخرجه مسلم، لكن بين الحميدي صاحب سفيان (ج ٢: ص ٣٤٤) أنه كان يقول في هذا الحديث: حمار وحش، ثم صار يقول: لحم حمار وحش، فدل على اضطرابه فيه، وقد توبع على قوله ((لحم حمار وحش)) من أوجه فيها مقال ثم ذكرها مع الكلام فيها، ثم قال: ويدل على وهم من قال فيه: عن الزهري، ذلك أن ابن جريج قال: قلت للزهري: الحمار عقير؟ قال: لا ادري. أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة في صحيحهما. وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر أن الذي أهداه الصعب لحم حمار فذكر ما تقدم في كلام الزرقاني في شرح الموطأ. وقد اختلفوا في هذه الروايات فمنهم من اختار الجمع بينها ومنهم من سلك مسالك الترجيح. قال الزرقاني بعد ذكر هذه الروايات: فمنهم من رجح رواية مالك وموافقيه، قال الشافعي في الأم: حديث مالك ((أن الصعب أهدى حمارًا)) أثبت من حديث من روى ((أنه أهدى لحم حمار)) وقال الترمذي: قد روى بعض أصحاب الزهري عن الزهري هذا الحديث وقال: أهدى لحم حمار وحش. وهو غير محفوظ. وقال البيهقي: كان ابن عيينة يضطرب فيه، فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى - انتهى. وقد تقدم عن الحافظ أنه قال: من قال ذلك فيه عن الزهري أي ذكر اللحم في حديث الزهري وهم. وإليه يظهر ميل البخاري حيث بوب في صحيحه ((باب إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل)) ثم أورد فيه الحديث برواية مالك. قال الحافظ: كذا قيده البخاري في الترجمة بكونه حيًا، وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحًا موهمة – انتهى. وإليه مال الباجي إذ قال: قوله ((حمارًا وحشيًا) هكذا رواه الزهري عن عبيد الله وهو أثبت الناس فيه وأحفظهم عنه. وفي المبسوط من رواية ابن نافع عن مالك، بلغني إنما رده عليه من أجل أن الحمار كان حيًا – انتهى. مختصرًا. وبه جزم ابن العربي حيث قال: وإنما رد الصيد على الصعب لأنه كان حيًا. ومنهم من رجح رواية اللحم. قال ابن القيم: أما الاختلاف في كون الذي أهداه حيًا أو لحمًا فرواية من روى ((لحمًا)) أولى لثلاثة أوجه، أحدها: أن راويها قد حفظها وضبط الواقعة حتى ضبطها أنه يقطر دمًا، وهذا يدل على حفظه للقصة حتى لهذا الأمر الذي لا يؤبه له. الثاني: أن هذا صريح في كونه بعض الحمار وأنه لحم منه فلا يناقض قوله ((أهدي له حمارًا)) بل يمكن حمله على رواية من روى لحمًا، تسمية للحم باسم الحيوان، وهذا مما لا تأباه اللغة. الثالث: أن سائر الروايات متفقة على أنه