بعض من أبعاضه، وإنما اختلفوا في ذلك البعض هل هو عجزه أو شقة أو رجله أو لحم منه، ولا تناقض بين هذه الروايات إذ يمكن أن يكون الشق الذي فيه العجز وفيه الرجل فصح التعبير عنه بهذا وهذا، وقد رجع ابن عيينة عن قوله ((حمارًا)) وثبت على قوله ((لحم حمار)) حتى مات. وهذا يدل على أنه تبين له أنه أهدى له لحمًا لا حيوانًا – انتهى. وفيه ما تقدم عن الحافظ وغيره أنه لا خلاف فيه عن مالك أنه أهدى حمارًا، وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وأن من قال فيه عن الزهري لحمًا وهم. ومنهم من جمع بحمل رواية ((أهدى حمارًا)) على النجوز من إطلاق اسم الكل على البعض كما بسطه الزرقاني في شرح الموطأ وابن الهمام في فتح القدير، وكما تقدم في كلام ابن القيم، وكما ذكره القرطبي احتمالاً. ومنهم من جمع بأن الصعب أحضر الحمار مذبوحًا ثم قطع منه عضوًا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقدمه له. فمن قال: أهدى حمارًا، أراد بتمامه مذبوحًا لا حيًا، ومن قال ((لحم حمار)) أراد ما قدمه للنبي - صلى الله عليه وسلم - حكاه الحافظ عن القرطبي احتمالاً. ومنهم من جمع بأنه أحضره له حيًا، فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانًا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بحملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، حكاه الحافظ عن القرطبي أيضًا احتمالاً. قال الزرقاني بعد ذكره: هذا الجمع قريب وفيه إبقاء اللفظ على المتبادر منه الذي ترجم عليه البخاري ((إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل)) مع أنه لم يقل في الحديث ((حيًا)) فكأنه فهمه من قوله ((حمارًا)) ومنهم من جمع بالحمل على التعدد، قال ابن بطال: اختلاف روايات حديث الصعب تدل على أنها لم تكن قضية واحدة وإنما كانت قضايا فمرة أهدى إليه الحمار كله، ومرة عجزه، ومرة رجله، لأن مثل هذا لا يذهب على الرواة ضبطه حتى يقع فيه التضاد في النقل والقصة واحدة ذكره العيني (وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالمد، جبل قرب مكة وعنده بلدة تنسب إليه، قيل سمي بذلك لوبائه وهو على القلب وإلا لقيل: الأوباء. وقيل لأن السيول تتبوأه أي تحله، قال ياقوت: وهذا أحسن. وقال الزرقاني: جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، سمي بذلك لتبوأ السيول به لا لما فيه من الوباء إذ لو كان كذلك لقيل ((الأوباء)) أو هو مقلوب منه – انتهى. قال العيني: به توفيت أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أو بودان) شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال المهملة فألف فنون، موضع بقرب الجحفة. قال الحافظ: هو أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال، وبالشك جزم أكثر الرواة وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان، وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمرو ((بالأبواء)) والذي يظهر لي أن الشك فيه من ابن عباس، لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضًا، وسيأتي برواية البيهقي أن ذلك في الجحفة، وروى الطحاوي