للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فرد عليه، فلما رأى ما في وجهه، قال: " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ".

ــ

من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الصعب بن جثامة أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - عجز حمار وهو بقديد يقطر دمًا فرده (فرد عليه) أي رد النبي على الصعب الحمار الذي صاده ثم أهداه إليه. قال الحافظ: اتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي (ج ٥: ص ١٩٣) من طريقه بإسناده حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم. قال البيهقي: إن كان هذا محفوظًا فلعله رد الحي وقبل اللحم. قلت (قائله الحافظ) وفي هذا الجمع نظر لما بينته (يشير إلى الروايات التي فيها ذكر إهداء جزء من الحمار ورده عليه) فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيًا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك، وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي: إن كان الصعب أهدى له حمارًا حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحشي حي وإن كان أهدى له لحمًا فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد لأجله، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر، وهو حال رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان – انتهى. قال الزرقاني فكأنه لما رده لأنه محرم أهدى له بعد ما حل فقبله وهذا جمع حسن (فلما رأى) أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما في وجهه) أي في وجه الصعب من الكراهة لما حصل له من الكسر برد هديته، ففي رواية الترمذي ((فلما رأى ما في وجهه من الكراهة)) وكذا لأحمد وابن خزيمة، وفي رواية للبخاري ((فلما عرف في وجهي رده هديتي)) قال الباجي: يريد من التغير والإشفاق لرد النبي - صلى الله عليه وسلم - هديته مع أنه - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ويأكلها فخاف الصعب أن يكون ذلك لمعنى يخصه (قال) أي تطييبًا لقلبه (إنّا) بكسر الهمز لوقعها في الابتداء (لم نرده) بفتح الدال رواه المحدثون، وقال محققو النحاة: إنه غلط والصواب ضم الدال. قال عياض: ضبطناه في الروايات ((لم نرده)) بفتح الدال، وأبي ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا: الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف المجزوم الذي اتصل به ضمير المذكر يراعى فيه الواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكأن ما قبلها ولي الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا، هذا في المذكر أما المؤنث مثل لم تردها فمفتوح الدال مراعاة للألف. قال عياض: وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح، نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف وأوهم صنيعه أنه فصيح وأجازوا أيضًا الكسر، وهو أضعف الأوجه. قال الحافظ: ووقع في رواية الكشمهيني بفك الإدغام ((لم نردده)) بضم الدال الأولى وسكون الثانية فلا إشكال، وفي رواية شعيب عن الزهري عند البخاري وابن جريج عنه عند أحمد وابن خزيمة ((ليس بنا رد عليك)) وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند الطبراني ((إنا لم نرده عليك كراهية له ولكنّا حرم)) (عليك) لعلة من العلل (إلا أنّا) بفتح الهمزة أي لأجل أنّا (حرم) بضم الحاء والراء جمع

<<  <  ج: ص:  >  >>