الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة البحر ثم التقوا بالقاحة (بالقاف والحاء المهملة المخففة، واد على نحو ميل من السقيا وعلى ثلاث مراحل من المدينة) وبها وقع له الصيد المذكور وكأنه تأخر هو ورفقته للراحة أو غيرها وتقدمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السقيا حتى لحقوه، قال: ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن حبان والبزار أن ذلك وقع وهم بعسفان، وفيه نظر، والصحيح ما سيأتي بعد باب أي عند البخاري من طريق صالح بن كيسان عن أبي محمد مولى أبي قتادة عنه، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقاحة ومنا المحرم وغير المحرم (يريد بغير المحرم نفسه فقط) فرأيت أصحابي يتراؤن شيئًا فنظرت، فإذا حمار وحش – الحديث. قال الحافظ: وبهذا يعني بما ذكره من حاصل القصة وأن أبا قتادة استمر حلالاً لأنه إما لم يجاوز الميقات وإما لم يقصد العمرة يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم، قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز المقيات وهو غير محرم ولا يدرون ما وجهه. قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه في وجه - الحديث. قال: فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة. قال الحافظ: والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الإحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التأخير، قال: والرواية التي أشار إليها الأثرم تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وليس كذلك أي لأن عامة الروايات من حديث أبي قتادة على أن أبا قتادة خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة وأن بعثه أبا قتادة ومن معه كان من الروحاء، وأخرج ابن حبان في صحيحه والبزار والطحاوي من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد، قال: بعث رسول الله أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان – الحديث. قال الحافظ: فهذا سبب آخر ويحتمل جمعهما. وقال في المواهب اللطيفة: الحاصل أن أبا قتادة خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بأخذ الصدقات، وكانت طريقهم متحدة فأحرموا كلهم غيره بناء على أنه لم يقصد إذ ذاك مكة ثم سار مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بناء على اتحاد الطريق حتى بلغوا الروحاء فأخبروا بالعدو فوجهه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحاب له محرمين فلما أمنوا رجع على حالته التي كان عليها فساغ له التأخير لذلك – انتهى. وقال القاري: إن أبا قتادة لم يحرم لقصده الإحرام من ميقات آخر وهو الجحفة، فإن المدنى مخير (عند الحنفية) بين أن يحرم من ذي الحليفة وبين أن يحرم من الجحفة، وفيه أن رواية أبي سعيد التي فيها ذكر عسفان تدل على تأخير أبي قتادة الإحرام من الجحفة ولكن نظر فيها الحافظ وصحح خلافها كما تقدم، وقال القسطلاني: لم يحرم لاحتمال أنه لم يقصد نسكًا إذ يجوز دخول الحرم بغير إحرام لمن يرد حجًا ولا عمرة كما هو مذهب الشافعية، وأما على مذهب القائلين بوجوب الإحرام فيجاب بأنه إنما لم يحرم لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر عدو - انتهى. وقيل كانت هذه