قال:" هل معكم منه شيء؟ " قالوا: معنا رجله فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكلها.
ــ
فسألته، فقال: كلوه حلال)) (قال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما سألهم عن إشارتهم ودلالتهم وقتلهم (هل معكم منه شيء؟ قالوا: معنا رجله) وفي رواية أبي حازم عند البخاري في الهبة ((فرحنا وخبأت العضد معي)) وفيه ((فقال: معكم منه شيء؟ فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها)) وفي رواية المطلب عند سعيد بن منصور ((قد رفعنا لك الذراع فأكل منها)) وجمع بأنه أكل من كليهما (فأخذها) أي رجله (فأكلها) إشارة إلى أن الجواب بالفعل أقوى من القول. قال الحافظ: فيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق، وقيل عياض: عندي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب من أبي قتادة ذلك تطييبًا لقلب من أكل منه، بيانًا للجواز بالقول والفعل لإزالة الشبهة التي حصلت لهم – انتهى. والحديث دليل على جواز أكل الحمار الوحشي وأنه من الصيد بخلاف الحمار الأهلي فإنه رجس، وأن تمني المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح في إحرامه، وأنه يجوز للمحرم الأكل من صيد الحلال إذا لم يصده لأجله، وهذا يقوي من حمل الصيد في قوله تعالى:{وحرم عليكم صيد البر} على الاصطياد، تنبيه: روى أحمد (ج ٥: ص ٣٠٤) وابن ماجة وعبد الرزاق في مصنفه (ج ٤: ص ٤٣٠) والدراقطني وإسحاق بن راهوية وابن خزيمة والبيهقي (ج ٥: ص ١٩٠) من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم أنا فرأيت حمار وحش فحملت عليه فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلت له: إنما اصطدته لك فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فأكلوه ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له. قال ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري والدراقطني والجوزقي تفرد بهذه الزيادة معمر، قال ابن خزيمة: إن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله فلما أعلمه امتنع – انتهى. قال الحافظ: وفيه نظر لأنه لو كان حرامًا ما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز فإن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله، وأما إذا أتي بلحم لا يدري ألحم صيد أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حرامًا على الآكل. وعندي بعد ذلك فيه وقفة، فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد وأنه - صلى الله عليه وسلم - أكلها حتى تعرقها أي لم يبق منها إلا العظم، ووقع عند البخاري في الهبة حتى نفدها أي فرغها، فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله، لكن رواية أبي محمد في الصيد عند البخاري ((أبقي معكم شيء منه؟ قلت: نعم. قال: كلوا فهو طعمة أطعمكموها الله)) فأشعر بأنه بقي منها غير العضد والله أعلم – انتهى. وقال الزيلعي: قال صاحب التنقيح: والظاهر أن هذا اللفظ الذي تفرد به معمر غلط فإن في الصحيحين ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل منه)) وفي لفظ لأحمد (ج ٥: ص ٣٠٦) ((قلت: هذه العضد قد شويتها وأنضجتها فأخذها