للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

.............................................................................................

ــ

قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، وبه قال مروان وإسحاق وهو الرواية المشهورة الصحيحة عن أحمد بن حنبل، وهو مذهب مالك والشافعي، وعلى هذا القول أن المراد بالإحصار ما كان من العدو خاصة فمن أحصر بمرض ونحوه لا يجوز له التحلل (إلا أن يشترط عند الإحرام عند الشافعي وأحمد كما سيأتي) حتى يبرأ من مرضه ويطوف بالبيت ويسعى فيكون متحللاً بعمرة، وحجة هذا القول متركبة من أمرين، الأول: أن الآية الكريمة التي هو قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} نزلت في صد المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم محرمون بعمرة عام الحديبية عام ست بإطباق العلماء، وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص فشمول الآية الكريمة لإحصار العدو الذي هو سبب نزولها قطعي فلا يمكن إخراجه من الآية بوجه، وروي عن مالك أن صورة سبب النزول ظنية الدخول لا قطعيته وهو خلاف قول الجمهور، وبهذا تعلم أن إطلاق الإحصار بصيغة الرباعي على ما كان من عدو صحيح في اللغة العربية بلا شك كما ترى وأنه نزل به القرآن العظيم الذي هو في أعلى درجات الفصاحة والإعجاز، الأمر الثاني: ما ورد في الآثار في أن المحصر بمرض ونحوه لا يتحلل إلا بالطواف والسعي، فمن ذلك ما رواه الشافعي في مسنده والبيهقي (ج ٥: ص ٢١٩) عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، قال النووي في شرح المهذب: إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم وصححه أيضًا (الحافظ) ابن حجر، ومن ذلك ما رواه البخاري والنسائي عن ابن عمر أنه كان يقول: أليس حسبكم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا، ومن ذلك ما رواه مالك في الموطأ والبيهقي (ج ٥: ص ٢١٩) عن ابن عمر أنه قال: المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى، ومن ذلك ما رواه مالك في الموطأ والبيهقي أيضًا (ج ٥: ص ٢١٩) عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديمًا أنه قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس فلم يرخص لي أحد أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة، والرجل البصري المذكور الذي أبهمه مالك، قال ابن عبد البر: هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي شيخ أيوب كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة، ورواه ابن جرير من طريق، وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير، ومن ذلك ما رواه مالك في الموطأ والبيهقي أيضًا (ج ٥: ص ٢٢٠) عن سليمان بن يسار أن سعيد بن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم فسأل - على الماء الذي كان عليه - عن العلماء فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم فذكرهم الذي عرض لهم فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد منه، ويفتدي،

<<  <  ج: ص:  >  >>