بالحمد أمن من الشوص واللوث والعلوص)) أخرجه (١) ابن ماجة في سننه فهو ظاهر السقوط، لأن الأمن فيه مقيد بكونه من المرض فلو أطلق لانصرف إلى الأمن من الخوف، وقد يجاب أيضًا بأنه يخاف وقوع المذكور من الشوص الذي هو وجع السن، واللوث الذي هو وجع الأذن، والعلوص الذي هو وجع البطن، لأنه قبل وقوعها به يطلق عليه أنه خائف من وقوعها، فإذا أمن من وقعها به فقد أمن من خوف. أما لو كانت وقعت به بالفعل فلا يحسن أن يقال أمن منها لأن الخوف في لغة العرب هو الغم من أمر مستقبل لا واقع بالفعل فدل هذا على أن زعم إمكان إطلاق الأمن على الشفاء من المرض خلاف الظاهر، وحاصل تحرير هذه المسألة في مبحثين: الأول في معنى الإحصار في اللغة العربية، الثاني في تحقيق المراد به في الآية الكريمة وأقوال العلماء، وأدلتها في ذلك، فاعلم أن أكثر علماء العربية يقولون: إن الإحصار هو ما كان عن مرض أو نحوه، قالوا: تقول العرب: أحصره المرض يحصره بضم الياء وكسر الصاد إحصارًا، وأما ما كان من العدو فهو الحصر، تقول العرب: حصره العدو يحصره بفتح الياء وضم الصاد حصرًا بفتح فسكون، ومن إطلاق الحصر في القرآن على ما كان من العدو قوله تعالى:{وخذوهم واحصروهم}(سورة التوبة: الآية ٥) ومن إطلاق الإحصار على غير العدو كما ذكرنا عن علماء العربية قوله تعالى {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله}(سورة البقرة: الآية ٢٧٥) وقول ابن ميادة:
وما هجر ليلي أن تكون تباعدت ... عليك ولا أن أحصرتك شغول
وعكس بعض علماء العربية فقال: الإحصار من العدو، والحصر من المرض، قاله ابن فارس في المجمل نقله عنه القرطبي ونقل البغوي نحوه عن ثعلب، وقال جماعة من علماء العربية: إن الإحصار يستعمل في الجميع وكذلك الحصر، ومن قال باستعمال الإحصار في الجميع الفراء، وممن قال بأن الحصر والإحصار يستعملان في الجميع أبو نصر القشيري، قال الشنقيطي: لا شك في جواز إطلاق الإحصار على ما كان من العدو كما سترى تحقيقه، هذا حاصل كلام أهل العربية في معنى الإحصار، وأما المراد به في الآية الكريمة فقد اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال، الأول: أن المراد به حصر العدو خاصة دون المرض ونحوه، وهذا قول ابن عباس وابن عمر وأنس وابن الزبير وهو
(١) كذا ذكر الشنقيطي وهو وهم منه أو ممن نقل ذلك عنه، فإن الحديث المذكور ليس في سنن ابن ماجة ولم أقف على من خرجه، نعم ذكره ابن الأثير الجزري في النهاية (ج ١: ص ٢٦١) قال الفتني في تذكرة الموضوعات (ص ١٦٥) : هو حديث ضعيف، وقال العجلوني في كشف الخفاء (ج ٢: ص ٢٥٢) : ذكره (ابن الأثير) في النهاية وهو ضعيف- انتهى. وروي في معناه عن غير واحد من الصحابة بأسانيد ضعيفة من شاء الوقوف على ذلك رجع إلى الفوائد المجموعة (ص ٢٢٢) للشوكاني، وكشف الخفاء (ج ٢: ص ٢٥٢) للعجلوني، وتنزيه الشريعة (ج ٢: ص ٢٩٢) لابن العراق واللآلئ المصنوعة (ج ٢: ص ١٥٣) للسيوطي.