عنه ومن حجة هؤلاء حديث الحجاج وأبي هريرة وابن عباس، قالوا: وهو حديث حسن يحتج بمثله، قالوا: وأيضًا ظاهر القرآن بل صريحه يدل على أن الحصر يكون بالمرض فإن لفظ الإحصار إنما هو للمرض، يقال: أحصره المرض وحصره العدو، فيكون لفظ الآية صريحًا في المريض وحصر العدو ملحق به، فكيف يثبت الحكم في الفرع دون الأصل؟ قال الخليل وغيره: حصرت الرجل حصرًا: منعته وحبسته، وأحصر هو عن بلوغ المناسك بمرض أو نحوه، قالوا: وعلى هذا خرج قول ابن عباس ((لا حصر إلا حصر العدو)) ولم يقل لا إحصار إلا إحصار العدو فليس بين رأيه وروايته تعارض، ولو قدر تعارضهما فالأخذ بروايته دون رأيه لأن روايته حجة ورأيه ليس بحجة. وأما قولكم: إن معناه أنه يحل بعد وفاته بما يحل به من يفوته الحج لغير مرض ففي غاية الضعف، فإنه لا تأثير للكسر ولا للعرج في ذلك، فإن المفوت يحل صحيحًا كان أو مريضًا، وأيضًا فإن هذا يتضمن تعليق الحكم بوصف لم يعتبره النص وإلغاء الوصف الذي اعتبره، وهذا غير جائز، وأما قولكم: إنه يحمل على الحل بالشرط. فالشرط إما أن يكون له تأثير في الحل عندكم أو لا تأثير له، فإن كان مؤثرًا في الحل لم يكن الكسر والعرج هو السبب الذي علق الحكم به، وهو خلاف النص، وإن لم يكن له تأثير في الحل بطل حمل الحديث عليه، قالوا: وأما قولكم: إنه لا يقول أحد بظاهره، فإن ظاهره أنه بمجرد الكسر والعرج يحل، فجوابه أن المعنى: فقد صار ممن يجوز له الحل بعد أن كان ممنوعًا منه، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم ". وليس المراد به أنه أفطر حكمًا وإن لم يباشر المفطرات، بدليل إذنه لأصحابه في الوصال إلى السحر، ولو أفطروا حكمًا لاستحال منهم الوصال. ولقوله تعالى {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره}(سورة البقرة: الآية ٢٣٠) فإذا نكحت زوجًا آخر حلت، لا بمجرد نكاح الثاني، بل لا بد من مفارقته وانقضاء العدة وعقد الأول عليها، قالوا: وأما قولكم: إنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله التي هو عليها ولا التخلص من أذاه، بخلاف من حصره العدو. فكلام لا معنى تحته، فإنه قد يستفيد بحله أكثر مما يستفيد المحصر بالعدو، فإنه إذا بقى ممنوعًا من اللباس وتغطية الرأس والطيب مع مرضه تضرر بذلك أعظم الضرر في الحر والبرد، ومعلوم أنه قد يستفيد بحله من الترفه ما يكون سبب زوال أذاه، كما يستفيد المحصر بالعدو بحله، فلا فرق بينهما، فلو لم يأت نص بحل المحصر بمرض لكن القياس على المحصر بالعدو يقتضيه، فكيف وظاهر القرآن والسنة والقياس يدل عليه؟ والله أعلم – انتهى كلام ابن القيم. قلت: وأما قول الجمهور: أنه ولو كان التحلل جائزًا بدون شرط لم يكن للاشتراط معنى، ولو كان المرض ونحوه من الأعذار يبيح الحل ما احتاجت إلى شرط فقد أجاب عنه بعض الحنفية بأنه ليس المراد بنفي الاشتراط وعدم الاحتياج في التحلل إليه كون الاشتراط لغوًا وعبثًا وأنه لا فائدة فيه أصلاً، بل فيه فائدة عظيمة وإن لم يتغير به حكم، والفائدة فيه تسكين قلب ضباعة وتسلية نفسها حيث كانت مريضة